ملخص تنفيذي

إن الإجراءات الحالية للتكيّف مع تغير المناخ لا تزال غير كافية لتلبية الاحتياجات، خصوصاً مع تصاعد الآثار المرتبطة به. وفي هذا الصدد، تتيح الدورة التاسعة والعشرون لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (COP29)، المنعقدة في باكو، فرصةً مهمة لتصحيح هذا المسار.

 

مع تزايد وتيرة وشدة الآثار الناجمة عن تغير المناخ، يتبلور الخطر الجسيم الذي يواجه العالم مع اقتراب متوسط درجات الحرارة العالمية من مستوى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية. ورغم ذلك، لا تزال إجراءات التخفيف دون المستوى المطلوب، من حيث النطاق والطموح، لتحقيق الأهداف طويلة المدى المحددة في اتفاق باريس للإبقاء على ارتفاع درجات الحرارة ضمن الحدود المستهدفة. مع تفاقم الآثار الناجمة عن تغير المناخ والاحترار العالمي، تتزايد التكاليف المرتبطة بالحدّ من المخاطر عبر إجراءات التكيف، كما ترتفع احتمالات بروز المخاطر المتبقية على شكل خسائر وأضرار. ويعد الفقراء والفئات المستضعفة، ولا سيما النساء والفئات المحرومة، الأكثر تأثراً بهذه الآثار. من هنا، تتزايد الحاجة المُلحة إلى اتخاذ إجراءات تكيف فعّالة وملائمة، تدمج مبادئ العدالة والإنصاف. يمكن للدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ التركيز على أولوياتها في التكيف وتحديد الوسائل اللازمة لتحقيقها، وذلك من خلال تعزيز مكونات التكيف في المجموعة الثالثة من مساهماتها المحددة وطنياً، والمقرر تقديمها في شباط/فبراير 2025.

 

يقدّم تقرير فجوة التكيف لعام 2024 تقييماً سنوياً للتقدم المحرز في مجالات تخطيط وتنفيذ وتمويل إجراءات التكيف. ويبيّن التقرير أنه، رغم بعض التقدم البطيء في تخطيط إجراءات التكيف، فإن البلدان النامية مجتمعةً تعجز عن تنفيذ هذه الإجراءات بسبب الفجوة الكبيرة بين احتياجات التمويل وتدفقاته المخصصة لهذا الغرض، ولا سيّما في سياق الهدف الكمي الجماعي الجديد لتمويل المناخ، والذي سيتم تحديده في الدورة التاسعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في باكو. ورغم أهميته، يبقى هذا الهدف مجرد جزء من الحل، إذ يتطلب سدّ فجوة تمويل التكيف اعتماد نُهُج مبتكرة وعوامل تمكينية إضافية لحشد موارد مالية جديدة. وفضلاً عن التمويل، ثمة حاجة إلى تعزيز عملية بناء القدرات ونقل التكنولوجيا وكذلك زيادة فعالية إجراءات التكيف. نظراً لأن رئاسة أذربيجان قد وضعت وسائل التنفيذ كركيزة أساسية في الدورة التاسعة والعشرين لمؤتمر الأطراف، يقدّم تقرير فجوة التكيف لهذا العام رؤى معمقة حول حالة واتجاهات بناء القدرات ونقل التكنولوجيا، وكيف يمكن لتحسين هذه الوسائل أن يُسهم في تعزيز فعالية التخطيط لإجراءات التكيف وتنفيذها. وأخيراً، نظراً لأهمية تقرير فجوة التكيف في توفير تحديثات منتظمة بشأن التقدم المحرز وفق المقاييس ذات الصلة بالهدف العالمي المتعلق بالتكيف، فإنّ تقرير هذا العام يعكس أيضاً ما يمكن قوله بالفعل عن التقدم المحرز بشأن الأهداف المتعددة التي تم تحديدها في إطار الإمارات العربية المتحدة للقدرة على تحمل آثار تغير المناخ على الصعيد العالمي، علماً أنّ هذا الإطار قد تم الاتفاق عليه في الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف في دبي.

 

ولهذا الغرض، تم تقسيم هذا الملخص التنفيذي إلى أربعة عناوين تغطّي الموضوعات الرئيسية التي يتناولها تقرير فجوة التكيف لعام 2024: أولاً التقدم المحرز في التخطيط لإجراءات التكيف وتنفيذها وتمويلها؛ وثانياً سد الفجوة في تمويل إجراءات التكيف؛ وثالثاً تعزيز عملية بناء القدرات ونقل التكنولوجيا من أجل تحسين فعالية إجراءات التكيف؛ ورابعاً الرؤى حول جوانب من إطار الإمارات العربية المتحدة للقدرة على تحمل آثار تغير المناخ على الصعيد العالمي.

Report Sections
1. التقدم المحرز في التخطيط لإجراءات التكيف وتنفيذها وتمويلها

 تحسّنت جودة التخطيط لإجراءات التكيف، ولكن من الصعب الوصول إلى تغطية عالمية لأدوات التخطيط الوطنية.

نتيجةً لزيادة التركيز على التخطيط لإجراءات التكيف، وزيادة الاستثمار فيها طيلة العقدَين الماضيَين، أصبح لدى 171 بلداً (87 في المائة) الآن أداة وطنية واحدة على الأقل معمول بها لتخطيط إجراءات التكيف (سياسة أو استراتيجية أو خطة)، كما أنّ 51 في المائة من هذه البلدان لديها أداة ثانية و20 في المائة منها لديها أداة ثالثة (الرسم التوضيحي 1). ومع ذلك، على الرغم من أنّ 16 من بين 26 بلداً ليس لديها أداة وطنية لتخطيط إجراءات التكيف وهي في صدد تطوير أداة لهذا الغرض، لا تزال هناك 10 بلدان لا تظهر أي مؤشر على تطوير أداة من هذا النوع حالياً.

 

وقد صُنفت سبعة من هذه البلدان في درجة عالية على مؤشر الدول الهشة، ما يشير إلى أنّها تواجه حالة داخلية من الهشاشة أو النزاع أو التوترات الجيوسياسية. وبهدف سد هذه الفجوة وتحقيق الهدف المحدد في إطار الإمارات العربية المتحدة للقدرة على تحمل آثار تغير المناخ على الصعيد العالمي فيما يتعلّق بالتخطيط لإجراءات التكيف، ينبغي زيادة كميات الدعم المقدَّم إلى هذه البلدان الهشة والمتأثرة بالنزاعات. وبما أنّ هذه البلدان معرّضة لمواجهة عراقيل بسبب مؤسساتها الضعيفة، فيلزم أن يشمل الدعم المقدّم إجراءات هامة ومستمرة لتعزيز القدرات والمؤسسات.

 

وفضلاً عن التغطية، تعتبر جودة أدوات التخطيط مؤشراً هاماً على الفعالية المحتملة لتنفيذها. في تحليل تناول خطط التكيف الوطنية المقدَّم إلى أمانة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، تبيّن أن فعالية التخطيط لإجراءات التكيف متباينة. حدَّدت معظم البلدان أولويات مختلطة تعالج مخاطر وعوامل تمكينية معينة وقطاعية لإجراءات التكيف، إلى جانب معالجة قضايا الشمولية والمشاركة، بما في ذلك الفئات المهمشة تاريخياً مثل النساء والشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية. ومع ذلك، تم تسجيل بعض أوجه القصور في متانة قاعدة الأدلة، فضلاً عن وجود فجوات فيما يتعلق بالأطر الزمنية والتكاليف المحددة لأولويات التكيف، ما يؤثر سلباً على قابلية تنفيذها. وبالتالي، هناك مجال واسع للتحسين، حيث يمكن للبلدان اعتماد أدوات وطنية جديدة أو تحديث الأدوات الحالية لتخطيط إجراءات التكيف. وأخيراً، تبيّن أن خطط التكيف الوطنية والمساهمات المحددة وطنياً لمعظم البلدان هي متوائمة جزئياً (68 في المائة) في تحليل تناول التوافق بين خطط التكيف الوطنية والمساهمات المحددة وطنياً ، بينما هناك 16 في المائة منها غير متوافقة على الإطلاق. ومع سعي البلدان إلى تحديث مساهماتها المحددة وطنياً في العام المقبل، يجب أن يُولى مزيد من التركيز لضمان التوافق بين هاتين الأداتين، بما يعزز من تضافر الجهود ويؤدي إلى استثمارات استراتيجية أكبر، مع تجنب الجهود المزدوجة.

Chart Image

الرسم التوضيحي 1: نشر الأدوات الوطنية السياساتية للتكيف بمرور الوقت

Figure 1

التقدم المحرز في تنفيذ إجراءات التكيف يُعتبر بطيئاً ومحفوفاً بالمشاكل. وينبغي على البلدان رفع سقف طموحاتها للاستعداد لمواجهة المخاطر المناخية المتزايدة.

 

استناداً إلى مصادر بيانات متعددة، تبيّن المعلومات المتعلقة بتنفيذ إجراءات التكيف وجود تقلبات سنوية كبيرة، لكنها تؤدي في النهاية إلى اتجاه تصاعدي طفيف على مر الوقت (الرسم التوضيحي 2). ومع ذلك، ثمة حاجة مُلحّة لزيادة الدعم المقدم لتنفيذ إجراءات التكيف نظراً للوتيرة المتسارعة لتغير المناخ. وإنّ إيلاء مزيد من التركيز وتوفير الدعم الكافي لإجراءات التكيف في الجولة التالية من المساهمات المحددة وطنياً من شأنه أن يُعزِّز مصداقية الطموحات والإجراءات القُطرية المعززة. بالإضافة إلى عدم تسريع تنفيذ إجراءات التكيف، يتبيّن من خلال التقييمات النهائية للإجراءات المدعومة من الآليات المالية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ أن نصف هذه الإجراءات تقريباً قد صُنفت على أنها إما غير مُرضية في نتائجها أو غير قابلة للاستدامة دون توافر تمويلات للمشاريع طويلة المدى. وأظهر أيضاً تحليل تقارير التقدم المحرز في تنفيذ خطط التكيف الوطنية نتائج متباينة، مُسلطاً الضوء على مجموعة من العراقيل المؤسساتية والتنظيمية والمالية والمتعلقة بالقدرات التي تحول دون تحقيق التقدم. غالباً ما تتغلب البلدان على الصعوبات الأولية وتُبلِغ عن تحقيق تقدم كبير في نطاق الإجراءات المنفذة. ومع ذلك، تظل البيانات المتعلقة بنتائج تنفيذ خطط التكيف الوطنية وفعاليتها محدودة للغاية. ولا شك أن البلدان قيّمت ملاءمة استجابتها في مجال التكيف مع تغير المناخ، وخلصت جميعها إلى أن هذه الاستجابة لم تكن كافية مقارنةً بحجم المخاطر المناخية التي تواجهها.

Chart Image

الرسم التوضيحي 2: التقدم المحرز في مشاريع التكيف المدعومة بآليات التمويل التي تخدم اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ واتفاق باريس

figure 2

ملاحظة: تراجع التمويل بمقدار 250 مليون دولار أمريكي تقريباً في عام 2023 مقارنةً بعام 2022، ولكن حجم الاستثمارات حتى آب/أغسطس 2024 يظهر إشارات التعافي بالفعل.

لا تزال الفجوة هائلة في تمويل إجراءات التكيف، ويُعدّ سدّها أولوية بالنسبة للهدف الكمي الجماعي الجديد للتمويل المناخي.

 

ازدادت تدفقات التمويل الدولي  من القطاع العام لإجراءات التكيّف العام الموجّهة إلى البلدان النامية لدعم إجراءات التكيف من 22 مليار دولار أمريكي في عام 2021 إلى 28 مليار دولار أمريكي في عام 2022، ما يمثل أكبر زيادة مطلقة ونسبية على أساس سنوي منذ اتفاق باريس. و يعكس هذا التقدم المحرز نحو مكوّن التكيف في ميثاق غلاسكو للمناخ (الرسم التوضيحي 3)، الذي حث الأطراف من البلدان المتقدّمة على مضاعفة التمويل المناخي المقدّم جماعياً لدعم إجراءات التكيف في المناخ للأطراف من البلدان النامية، بهدف رفع مستويات التمويل لعام 2019 بحلول عام 2025. ورغم ذلك، ثمة حاجة إلى توافر زيادات كبيرة أخرى لتحقيق هذا الهدف. ومع ذلك، فإن الفجوة في تمويل إجراءات التكيف لن تتقلص إلا بنسبة 5 في المائة حتى في حال الوصول إلى هذه المضاعفة في التمويل. تُعتبر الفجوة في تمويل إجراءات التكيف مهمة في سياق الهدف الكمي الجماعي الجديد للتمويل المناخي الذي سيتم تحديده قبل عام 2025. تظهر المقارنة بين احتياجات تمويل إجراءات التكيف (المقدّرة بين 215 و387 مليار دولار أمريكي سنوياً، وفق تقرير فجوة التكيف 2023)، وتدفقات التمويل العام الدولي لعام 2022، أن هناك فجوة كبيرة جداً لا تزال قائمة. ومع ذلك، فإن تقييم الفجوة يفتقر إلى نقص في البيانات المتوفرة بشأن تدفقات التمويل من المصادر المحلية من القطاعَين العام والخاص، وهما مصدرَان مهمان لتمويل إجراءات التكيف. ولوحظ أيضاً أنه بناءً على أحدث البيانات المتاحة، كانت مدفوعات فوائد الديون بالنسبة للبلدان النامية (باستثناء الصين) أكبر من الاحتياجات المقدرة لتمويل إجراءات التكيف، ما يدل على وجود فرص محتملة لإصلاح منظومة الديون بهدف المساهمة في دعم إجراءات التكيف.

2. سد الفجوة في تمويل إجراءات التكيف

التغلّب على التحدّي المناخي يتطلب زيادة التمويل لإجراءات التكيف، بالإضافة إلى اعتماد نهج أكثر استراتيجية تجاه الاستثمار.

 

يقدّم تقرير فجوة التكيف لعام 2024 مزيداً من المعلومات عن فجوة التمويل الحالية وأنواع إجراءات التكيف التي تحتاج إلى تمويلات، ولم يقتصر التقرير على النظر في المستوى الإجمالي للتمويل فحسب. ولهذا الغرض، وضع التقرير تصنيفاً للتحديات التي تواجه التكيف والتمويل (الرسم التوضيحي 4). يُظهر الرسم التوضيحي أنه من السهل عموماً تمويل إجراءات التكيف الخالية من المخاطر، والتي تأتي كرد فعل وتكون تدريجية (في الجزء العلوي الأيسر)، وإجراءات التكيف في القطاعات القائمة على الأسواق (في الجزء السفلي الأيسر). وفي المقابل، يبدو أنه من الأصعب تمويل إجراءات التكيف الاستباقية والتحويلية (في الجزء العلوي الأيسر) وإجراءات التكيف في القطاعات غير القائمة على السوق، ولا سيما بالنسبة الأكثر ضعفاً منها (في الجزء العلوي الأيمن). وهذا ينطبق على جميع مصادر التمويل، بما في ذلك مؤسسات التمويل العامة المحلية والدولية، ولكنه ينطبق بشكل خاص على حالة التمويل من القطاع الخاص. لذا، من أجل التغلّب على نطاق التحدي الذي يفرضه تغيّر المناخ، ينبغي التحوّل في تمويل إجراءات التكيف من التركيز التاريخي على التمويل الذي يأتي كرد فعل ويكون تدريجياً وقائماً على المشاريع (في الجزء العلوي الأيسر) إلى إجراءات تكيف تتّسم بمزيد من الاستباقية والاستراتيجية والتحوّل (في الجزء العلوي الوسط ويميناً). يتطلب ذلك اتخاذ مزيد من الإجراءات في مجالات أكثر تعقيداً وصعوبة في التمويل. وعندما يتم التعامل مع إجراءات التكيف على أنها مماثلة لإجراءات التخفيف، أي بالتركيز على الخيارات التقنية أو المجالات الأسهل تمويلاً فقط، فلن يتم تنفيذ أنواع إجراءات التكيف اللازمة، أو لن تغطي النطاق المطلوب.

Chart Image

الرسم التوضيحي 3: مقارنة بين احتياجات تمويل إجراءات التكيف والتكاليف المنمذجة وتدفقات التمويل الدولي العمومي لإجراءات التكيّف في البلدان النامية 

figure 3
Chart Image

الرسم التوضيحي 4: أنواع إجراءات التكيف وسهولة التمويل بُغية استجلاء الفرص لإشراك القطاع الخاص

figure 4

فقط ثلث الفجوة فقط تتناول مجالات مموّلة عادةً من القطاع الخاص في تمويل إجراءات التكيف، ولكن لا تزال هناك فرصة كبيرة لاستثمارات من القطاع الخاص.

 

ما يقرب من ثلثي التكاليف/احتياجات التمويل المقدرة هي في مجالات تُموَّل عادةً من القطاع العام من خلال مصادر دولية أو محلية، نظراً لتمتعها بخصائص عامة جيدة أو لوجودها في قطاعات اجتماعية أو غير قائمة على السوق. وهذا يعني أنه سيكون من الصعب على معظم البلدان تحقيق أولويات التكيف الخاصة بها (كما هو وارد في المساهمات المحددة وطنياً وخطط التكيف الوطنية) ما لم يتم توفير مزيد من التمويل العام (الدولي والمحلي) أو ما لم يتم اعتماد نُهُج مبتكرة للتمويل. وفي الوقت نفسه، يتبيّن أن ثلث التكاليف/احتياجات التمويل المنمذجة هي في مجالات لديها إمكانيات للتمويل من القطاع الخاص، مثل القطاعات القائمة على السوق بما في ذلك الزراعة والمياه والبنية التحتية. ولكن حتى في هذه الحالات، غالباً ما يتعيّن على القطاع العام توظيف التمويل العام من أجل إزالة المخاطر وفتح الباب للاستثمارات من القطاع الخاص. وستتوفّر أيضاً استثمارات القطاع الخاص في مجالات غير مشمولة جيداً في التقديرات الحالية للفجوة في إجراءات التكيف، ولا سيما احتياجات البنية التحتية للقطاع الخاص، وكذلك مزيد من احتياجات التبريد وما يرتبط بها من آثار تؤثر على إنتاجية العمل المرتبطة بدرجات الحرارة.

تُعدّ العوامل التمكينية بمثابة عنصر أساسي من أجل فتح الباب لتمويل إجراءات التكيف، ولا سيّما بالنسبة للقطاع الخاص. 

نظراً للعراقيل التي تعيق إجراءات التكيف، ثمة حاجة ملحّة إلى اعتماد عوامل تمكينية للمساعدة في فتح الباب للتمويل بالنسبة للقطاعين العام والخاص. وفي سياق إعداد تقرير فجوة التكيف لعام 2024، تم استعراض عدد من أهم العوامل التمكينية للتمويل وتحديدها: 

 

  • أوّلاً، تنشأ مجموعة من النُهُج الجديدة والأدوات المالية التي تهدف إلى التغلّب على بعض التحديات التي تعترض تطبيق إجراءات التكيف، وذلك من خلال تعريف نتائج التكيف بشكل أكثر وضوحاً أو إنشاء محفزات للاستثمار فيها. تتضمن هذه الأدوات تمويل آليات الحد من المخاطر، والأدوات المرتبطة بالتأمين، والمنح القائمة على الأداء المخصصة لدعم المرونة في مواجهة تغير المناخ، وائتمانات المرونة المناخية، ومبادلات الدين بتدابير التكيف مع تغير المناخ، والمدفوعات لخدمات النظم الإيكولوجية، والعمل على فرض الضرائب، وسندات دعم المرونة المناخية.

     

  • ثانياً، تشمل العوامل التمكينية بالنسبة للقطاع العام إنشاء صناديق ومرافق التمويل، والتخطيط الضريبي لمواجهة تغير المناخ وربط الميزانية بالمناخ، وتعميم إجراءات التكيف في التخطيط الإنمائي الوطني وفي أطر الإنفاق متوسطة الأجل، بالإضافة إلى تخطيط الاستثمارات في إجراءات التكيف. ويمكن أن تكون هذه الأنشطة مدعومة بإصلاحات متنوعة مقترحة للمؤسسات المالية الدولية والبنوك التنموية متعددة الأطراف. 

     

  • ثالثاً، تشمل العوامل التمكينية بالنسبة للقطاع الخاص أطر الإفصاح عن المخاطر المناخية، وتخطيط الانتقال، وتصنيف إجراءات التكيف، كما تتضمن نُهُجاً جديدة وأدوات مالية تهدف إلى إزالة المخاطر من التمويل المقدم من القطاع الخاص باستخدام التمويل العام (المختلط). ويمكن أن تكون هذه الآليات مدعومة بمسرعات إجراءات التكيف ومنصاتها، التي يمكن أن تحفز اعتماد نماذج وأدوات جديدة وتساعد في تطوير مشاريع مقبولة بنكيا.

     

رغم ما سبق، فجميع هذه الأنشطة التمكينية ستتطلب القدرة على تنفيذها، كما أنها تستلزم التمويل. وهذا يعني أيضاً أن هناك طلباً كبيراً على التمويل العام للامتيازات المتاحة، مثل تحقيق المزيد من إجراءات التكيف العامة والطموحة، وإزالة المخاطر أمام استثمارات القطاع الخاص، ودعم عوامل التمكين. وبالتالي، هناك حاجة ملحّة لاستخدام التمويل الدولي للامتيازات العامة المتاحة بمزيد من الفكر الاستراتيجي.

Chart Image

الرسم التوضيحي 5: في نهاية المطاف، مَن الجهة التي ستدفع إجراءات التكيف في أقل البلدان نمواً؟ 

Figure 5
3. تعزيز عملية بناء القدرات ونقل التكنولوجيا من أجل تحسين فعالية إجراءات التكيف

تُعدّ عملية بناء القدرات ونقل التكنولوجيا من العناصر الأساسية لتعزيز إجراءات التكيف في البلدان النامية، غير أن فعاليتها تظل غير مؤكدة.

 

بالإضافة إلى الحاجة للتمويل، تُعتبر عملية بناء القدرات ونقل التكنولوجيا حاسمة لضمان فعالية جهود التكيف. ورغم أن وثائق اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، مثل خطط التكيف الوطنية وتقييمات احتياجات التكنولوجيا، تتناول على نطاق واسع الحاجة إلى تنمية القدرات وتوفير التكنولوجيا، إلا أن الجهود القائمة كثيراً ما تعاني من قلة التنسيق، وتكون مكلفة وقصيرة المدى، مع نقص البيانات اللازمة لتقييم أثرها الحقيقي. ولتطوير فهم أكثر عمقاً حول كيفية تفعيل وسيلتي التنفيذ هاتين بشكل منسق، تبرز الحاجة إلى سد الفجوات المعرفية الأساسية. على سبيل المثال، لا تتوفر دراسات كافية للإجابة عن أسئلة حول نوعية القدرات والتكنولوجيات المناسبة للجهات المعنية وآليات تطويرها ونقلها، مما يعقّد إصدار توصيات تستند إلى معايير موثوقة. لذلك، فإن تعزيز الإدماج والدعم الهادف، وتكثيف التعاون بين بلدان الجنوب وكذلك بين بلدان الشمال والجنوب إضافة إلى التعاون الثلاثي، قد يسهم بشكل جوهري في سد هذه الفجوات المعرفية. ويمكن أن يتم تضمين ذلك في المساهمات المحددة وطنياً وخطط التكيف الوطنية للدول.

تعبّر البلدان النامية عن حاجتها إلى مزيد من القدرات والتكنولوجيا في جميع جوانب التخطيط لإجراءات التكيف وتنفيذها، مع التركيز على المياه و الغذاء والزراعة.

 

تبرز الحاجة إلى تعزيز القدرات لتلبية مختلف جوانب التخطيط والتنفيذ لإجراءات التكيف، مع تفاوت الاحتياجات بين القطاعات. ووفقاً للتقارير، فقد تم تحديد احتياجات تنمية القدرات في قطاعَي الغذاء والزراعة في تسع خطط من بين عشر خطط تكيف وطنية، يليها قطاع البيئة، ثم المياه والصحة. وقد وُضعت هذه الاحتياجات لدعم التكنولوجيا الخاصة بكل قطاع ولتعزيز التخطيط، والتنفيذ، والرصد، والتقييم، ودعم مجموعة من العوامل التمكينية الأساسية (الرسم التوضيحي 6). وفيما يتعلق بالاحتياجات التكنولوجية، يبرز قطاعا الزراعة والمياه كأكثر القطاعات احتياجاً للتكنولوجيا، بينما حظيت تكنولوجيات حماية المناطق الساحلية، التي تمثل ثالث أكبر أولوية، بإشارة من عدد قليل من البلدان. وأظهر تحليل الدعم المقدم إلى البلدان النامية بين عامَي 2018 و2022 لجهود التكيف التكنولوجي أن هذا الدعم زاد من 5.7 مليار إلى 12.7 مليار دولار أمريكي. وخلال الفترة نفسها، ازدادت نسبة التمويل الإنمائي الموجه للتكيف من مجمل التمويل الإنمائي المرتبط بالمناخ من 26  إلى 35 في المائة. وهذا يشير إلى وجود تركيز متزايد في التمويل المناخي من أجل دعم إجراءات التكيف من خلال إدخال تكنولوجيات جديدة. ويبرز قطاع الزراعة بوضوح في هذا السياق، حيث يحصل على متوسط 31 في المائة من التمويل الإنمائي المتعلق بإجراءات التكيف سنوياً، أي ما يعادل تقريباً ضِعف ما تم تخصيصه لقطاعَي النقل والتخزين، وكذلك لقطاع الصرف الصحي، وهي القطاعات التالية من حيث حجم التمويل. وبالتالي، من الضروري أن يتم تأمين مزيد من التمويل لتلبية احتياجات البلدان، غير أنّ تقييمات الاحتياجات التكنولوجية تظهر أنّ التمويل المتاح موجّه بمعظمه على الأقل إلى القطاعات ذات الأولوية.

من أجل سد الفجوة بين القدرات والاحتياجات التكنولوجية ومستويات العمل على أرض الواقع، لا بدّ من التغلب على التحديات متعددة الأوجه.

 

تواجه فعالية الدعم الحالي لإجراءات التكيف تحديات بارزة تتمثل في القيود الاقتصادية والمالية، لا سيما بسبب ارتفاع تكاليف الاستثمارات الأولية، وصعوبة الحصول على القروض، وعدم اليقين بشأن عوائد هذه الاستثمارات. وتؤثر هذه القيود بوضوح على التكنولوجيات ذات التكلفة الرأسمالية المرتفعة، مثل أنظمة الري بالطاقة الشمسية، حيث تُعد التكاليف العالية للتركيب والصيانة عائقاً أمام انتشار هذه الأنظمة على نطاق واسع، كما تشكل الأطر القانونية والتنظيمية تحدياً كبيراً؛ إذ تتطلب سياسات وطنية أكثر استقراراً وبساطةً لدعم تطوير ونقل التكنولوجيات والمهارات الهامة للبلدان النامية. علاوةً على ذلك، فإن الظروف المحلية تلعب دوراً حاسماً في بعض القطاعات، مثل الزراعة والمياه، حيث تنخفض معدلات الاعتماد على هذه التكنولوجيات نتيجة ضعف القدرات التقنية، وغياب البنية التحتية والمعلومات، فضلاً عن ضعف التوعية. تتطلب مواجهة هذه التحديات تمويلاً إضافياً، ويُمكن إدماج جزء من هذا التمويل عبر استثمارات القطاع الخاص. ويُعد تعزيز قدرات التخطيط والتنفيذ وتوفير العوامل التمكينية الأساسية أمراً ضرورياً، ويستلزم التنسيق على المستويَين الوطني و دون الوطني لزيادة إتاحة التكنولوجيات والقدرات اللازمة لدعم إجراءات التكيف. 

وإنّ تحسين بناء القدرات ونقل التكنولوجيا من شأنه أن يسرّع عملية التخطيط لإجراءات التكيف وتنفيذها. 

بناءً على التقييم الذي أُجري في إطار تقرير فجوة التكيف لعام 2024، استخلص التقرير التوصيات الرئيسية التالية بهدف تعزيز فعالية بناء القدرات ونقل التكنولوجيا: 

 

  •           أولاً، ينبغي أن تبدأ التدخلات الرامية إلى دعم بناء القدرات بتحديد القدرات المحلية الموجودة بالفعل وتعبئتها. ويجب أن توفر هذه التدخلات توازناً بين التركيز على القدرات "الصلبة" (مثل التكنولوجيات) و"الناعمة" (مثل الظروف التمكينية)، مع مراعاة إدماج اعتبارات المساواة بين الجنسين والإدماج الاجتماعي في جوهرها.

     

  •           ثانياً، يجب إيجاد قاعدة أدلة تتسم بمزيد من الرصانة لإثراء التدخلات الرامية إلى بناء القدرات وأولويات نقل التكنولوجيا. وهذا يشمل الأدلة المستمدّة من عمليات الرصد والتقييم بشأن الجهة التي ستضطلع بالعمل ولصالح مَن ومتى، وبشأن التكاليف الفعلية للتدخلات، وبشأن المستوى الحالي لاحتياجات بناء القدرات ونقل التكنولوجيا.

     

  •           ثالثاً، ينبغي لخطط بناء القدرات ونقل التكنولوجيا أن تدعم إجراءات التكيف في جميع القطاعات والنطاقات وأولويات التنمية، ويجب أن تبني القدرات بهدف إحداث التغيير التحويلي. غالباً ما تبدو الأولويات الحالية ضيقة جداً وتقنية ومركِّزة على الوفاء بالالتزامات الدولية أو الاستجابة للأزمات الفورية، الأمر الذي يحدّ من الجهود المبذولة لإحداث تغيير أعمق.

     

  •           رابعاً، تعتمد فعالية نقل التكنولوجيا على كونها جزءاً من استراتيجية إنمائية على نطاق أوسع، وعلى إدماجها بقوة في تقييم مرتبط لاحتياجات بناء القدرات. وينبغي تطوير استراتيجيات التكيف بناءً على فهم شامل للاحتياجات بدلاً من تطويرها من منظور الدفع بتكنولوجيا محددة.

     

وتجدر الإشارة إلى أن هذه التوصيات بشأن الجهود الرامية إلى تعزيز بناء القدرات ونقل الموارد من شأنها أن تسهم في زيادة فعالية التخطيط لإجراءات التكيف وتنفيذها، خاصةً إذا اقترنت بالتمويل الإضافي الملحّ لدعم هذه الإجراءات.

Chart Image

الرسم التوضيحي 6: الأهداف والعمليات والعوامل التمكينية لإجراءات التكيف 

figure 6

المصدر: مقتبس بتصرف عن الشبكة العالمية لخطط التكيف الوطنية (2023) وإطار الإمارات العربية المتحدة للقدرة على تحمل آثار تغير المناخ على الصعيد العالمي.

4. رؤى حول جوانب من إطار الإمارات العربية المتحدة للقدرة على تحمل آثار تغير المناخ على الصعيد العالمي

تنجح البلدان في إحراز التقدم نحو تحقيق الغايات الواردة في إطار الإمارات العربية المتحدة للقدرة على تحمل آثار تغير المناخ على الصعيد العالمي، إلا أنّ الجهود المتضافرة ستكون ضرورية من أجل بلوغ هذه الأهداف في الوقت المناسب.

 

تم الاتفاق على إطار الإمارات العربية المتحدة للقدرة على تحمل آثار تغير المناخ على الصعيد العالمي خلال الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف في دبي، وهو يشكل إطاراً لتتبع التقدم المحرز نحو تحقيق الهدف العالمي بشأن التكيف مع تغير المناخ. نظراً لأن تقرير فجوة التكيف يعرض سنوياً التقدم المحرز في التخطيط لإجراءات التكيف وتنفيذها، فإن تقرير هذا العام يستغل الفرصة للتفكير في ما يمكن قوله بالفعل عن الأهداف المواضيعية والبعدية للإطار الجديد، مع الاعتراف بأنّه سيتعيّن تحديد المؤشرات التي ستُستخدم لتقييم التقدم المحرز والاتفاق عليها.

 

 

  •           أولاً، تحتوي جميع خطط التكيف الوطنية تقريباً على إشارات إلى هدف واحد على الأقل من الأهداف المواضيعية للإطار، وحوالي ثلث العناصر المرجعية للأهداف البعدية. حظيت الأهداف المواضيعية بتغطية جيدة باستثناء هدف القضاء على الفقر وهدف حماية الإرث الثقافي، أما الأهداف البعدية فهي حالياً لا تحظى بكثير من الانتباه أو يتم تأطيرها بطريقة مختلفة. على سبيل المثال، يأتي أقل من ربع خطط التكيف الوطنية بالحد الأدنى على ذِكر عملية تنفيذ إجراءات التكيف، وهي موصوفة على نطاق واسع في سياق تعميم الخطط والعمليات الإنمائية للقطاعات على الصعيدَين الوطني ودون الوطني، بما في ذلك إعداد الميزانية. وعلى نحو مماثل، يبدو أن احتياجات تنمية القدرات القطاعية ترتبط إلى حد كبير بالأهداف المواضيعية، ولكن حالياً لا يتم التعبير دائماً عن احتياجات تنمية القدرات وفق الغايات البعدية للإطار (الرسم التوضيحي 6).

     

  •           ثانياً، لقد أظهر تحليل خطة التكيف الوطنية أن المعلومات حول الآثار ومكامن الضعف والمخاطر المستقبلية هي معلومات غير متوازنة، إذ غالباً ما تغطي مجموعة فرعية من القطاعات إن نجحت في التغطية، وغالباً ما تُعرض في سياق فجوات البيانات والمعرفة.

     

  •           إن الافتقار إلى القدرات والتكنولوجيا لتقييم الطبيعة المعقدة للآثار الناجمة عن تغير المناخ يحد من القدرة على صنع القرارات برصانة. وبالتالي، من المهم السعي إلى سد هذه الفجوات لدعم البلدان في تحقيق غاية تقييم الآثار ومكامن الضعف والمخاطر والتي حددها الإطار، وذلك بحلول عام 2030. تُعد هذه الخطوة هامة في سياق دعم البلدان لإنشاء نظم الإنذار المبكر بالأخطار المتعددة وخدمات المعلومات المناخية بهدف الحد من المخاطر ورصدها منهجياً سعياً إلى دعم تحسين الخدمات والبيانات والمعلومات المتعلقة بالمناخ.

     

  •           ثالثاً، هناك تسعة تقريباً من كل عشرة بلدان تقريباً تمتلك أداة واحدة على الأقل يُعمل بها حالياً لتخطيط إجراءات التكيف الوطنية، إلا أن تقرير فجوة التكيف يظهر الحاجة إلى بذل جهود حثيثة لتحقيق التغطية العالمية بحلول عام 2030، نظراً إلى المعدل الحالي البطيء للتقدم نحو سد هذه الفجوة. علاوة على ذلك، بالرغم من وجود أدلة على أن بلدان كثيرة تعكف على تنفيذ أولوياتها الخاصة بالتكيف، يبدو من المبكر جداً تقييم معدّل هذا التنفيذ لأسباب أقلها الافتقار إلى أطر الرصد والتقييم والتعلم. وأخيراً، نظراً إلى عدم التوازن في جودة أدوات التخطيط ومستويات التنفيذ من ناحية بقوة البيانات وتغطية القطاعات وقابلية التنفيذ ومدى الشمول، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت البلدان تنجح في الحد من الآثار الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن الأخطار المناخية الرئيسية.

  •  

في الختام، تجدر الإشارة إلى صعوبة تقييم التقدم المحرز نحو أي من الأهداف المواضيعية في ظل غياب مؤشرات ومقاييس محددة، إلا أن اعتماد أطر زمنية واضحة لتحقيق الأهداف البعدية يظهر أن الجهود المبذولة في عمليات التقييم والتخطيط والتنفيذ والرصد والتقدير والتعلم حول الآثار ومكامن الضعف والمخاطر، هي جهود يجب تكثيفها إذا كان بلوغ هذه الأهداف مطلوباً.

Chart Image

الرسم التوضيحي 7: النِسب المئوية لخطط التكيف الوطنية ذات أولويات التكيّف التي تعالج الأهداف البُعدية والمواضيعية المذكورة في إطار الإمارات العربية المتحدة للقدرة على تحمل آثار تغير المناخ على الصعيد العالمي

figure 7