تقرير فجوة الانبعاثات لعام 2024
في ظل التفاوت الهائل بين الخطب الرنانة والواقع، تعمل البلدان على إعداد مشروع التزامات جديدة بشأن المناخ
ملخص تنفيذي
كل العيون تتجه نحو المساهمات المحددة وطنياً المقبلة
في وقت كتابة هذا التقرير، كان لا يتبقّى سوى بضعة أشهر أمام البلدان قبل الموعد النهائي لتقديم مساهماتها المحددة وطنياً المقبلة مع أهداف التخفيف لعام 2035. يولي التقرير الخامس عشر عن فجوة الانبعاثات تركيزاً خاصاً على ما هو مطلوب من هذه المساهمات المحددة وطنياً من أجل الحفاظ على إمكانية تحقيق الهدف طويل المدى من اتفاق باريس. يتمثل هذا الهدف في الحد من الاحترار العالمي إلى ما دون درجتَين مئويتين، مع السعي لتخفيضها إلى مستوى 1.5 درجة مئوية الذي كان قائماً في عصر ما قبل الثورة الصناعية. تتمثل الرسالة الجوهرية في أن الطُموح وحده لا يكفي ما لم يقترن بالعمل الجاد، فإذا لم تُخفض الانبعاثات العالمية بحلول عام 2030 إلى مستويات أدنى من تلك المفروضة في السياسات القائمة والمساهمات المحددة وطنياً الحالية، فيصبح من المستحيل عندئذ الالتزام بمسار يتيح الحد من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية بدون تجاوزه أو مع تجاوزه بشكل طفيف (باحتمال يقدّر بنحو 50 في المائة)، كما سيزداد التحدي المتمثل في حدّ الاحترار العالمي إلى درجتين مئويتين (باحتمال يقدر بنحو 66 في المائة). يجب أن تشهد المساهمات المحددة وطنياً المقبلة قفزةً نوعية في مستوى الطموح، بالتوازي مع تسريع إجراءات التخفيف خلال هذا العقد.
لا شك في حجم التحدي الذي نواجهه، ومع ذلك ثمة فرص كبيرة لتسريع إجراءات التخفيف بالتوازي مع تلبية الاحتياجات التنموية العاجلة وأهداف التنمية المستدامة. لا تزال التطورات التكنولوجية تفوق التوقعات، لا سيّما في مجالي طاقة الرياح والطاقة الشمسية، ما يُسهم في خفض تكاليف انتشارها وتعزيز التوسع في سوقها. يُظهر التقييم المُحدَّث لإمكانات خفض الانبعاثات القطاعية أنّ إمكانية خفض الانبعاثات التقنية والاقتصادية باستخدام التكنولوجيات الحالية وبتكاليف تقل عن 200 دولار أمريكي لكل طن من مكافئ من ثاني أكسيد الكربون تظل كافية لسد فجوة الانبعاثات المتوقعة في عامَي 2030 و2035. ولكن هذا الأمر سيتطلب التغلب على حواجز هائلة تتعلق بالسياسة والحوكمة والمؤسسات والشؤون التقنية، بالإضافة إلى زيادة غير مسبوقة في الدعم المقدم للبلدان النامية، إلى جانب إعادة تصميم البنية المالية الدولية.
ارتفع إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 1.3 في المائة مقارنةً بمستويات عام 2022، ما يفوق المعدل المتوسط للعقد الذي سبق جائحة كوفيد19- (2019-2010) حيث بلغ متوسط زيادة الانبعاثات نسبة 0.8 في المائة سنوياً. تزداد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من جميع مصادر غازات الدفيئة عبر مختلف القطاعات، باستثناء قطاع استخدام الأراضي وتغيير استخدامها وقطاع الغابات. تبيّن في عام 2023 أنّ قطاع الطاقة (أي إنتاج الكهرباء) لا يزال المساهِم العالمي الأكبر في توليد الانبعاثات إذ ينتج 15.1 غيغا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، يليه قطاع النقل (8.4 غيغا طن)، والزراعة (6.5 غيغا طن)، والصناعة (6.5 غيغا طن) (انظر الرسم التوضيحي 1). أمّا الانبعاثات الناجمة عن الطيران الدولي التي شهدت تراجعاً كبيراً خلال جائحة كوفيد19-. فقد سجّلت أعلى معدل نمو لها بلغ 19.5 في المائة في عام 2023 مقارنةً بمستويات عام 2022 (مقابل متوسط نمو سنوي قدره 3.1 في المائة خلال الفترة من 2010 إلى 2019)، ما يشير بوضوح إلى اقترابها من مستويات ما قبل الجائحة. تشمل القطاعات الأخرى التي شهدت نمواً سريعاً في عام 2023 (أي بمعدل يزيد عن 2.5 في المائة) الانبعاثات المتسربة من الوقود (البنية التحتية للنفط والغاز ومناجم الفحم)، والنقل البري، والانبعاثات الصناعية المرتبطة بالطاقة.
الرسم التوضيحي 1: إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة في عام 2023
هناك تفاوتات كبيرة بين الانبعاثات الحالية للفرد والانبعاثات التاريخية بين البلدان الكبرى المصدرة للانبعاثات ومناطق العالم. في عام 2023، زادت انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن البلدان الأعضاء في مجموعة العشرين وشكلت حينئذ نسبة 77 في المائة من الانبعاثات العالمية. إذا أُضيف جميع أعضاء الاتحاد الأفريقي إلى إجمالي مجموعة العشرين، ما يزيد عدد الأعضاء من 44 إلى 99 ، فإنّ إجمالي الانبعاثات سيزداد بنحو 5 نقاط مئوية فقط ليصل إلى 82 في المائة. وشكلت أكبر ستة بلدان منتجة للغازات الدفيئة نسبة 63 في المائة من الانبعاثات العالمية، بينما كانت حصة أقل البلدان نمواً 3 في المائة فقط (انظر الجدول 1).
على الرغم من التغيرات الكبيرة التي حدثت خلال السنوات العشرين الماضية، لا تزال الفجوات الواسعة موجودة بين متوسط الانبعاثات الفردية والانبعاثات التاريخية للبلدان الرئيسية المُصدرة للانبعاثات ومناطق العالم (انظر الجدول 1). على سبيل المثال، يبلغ متوسط نصيب الفرد من انبعاثات غازات الدفيئة في الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الروسي حوالي ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي البالغ 6.6 طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، بينما تظل هذه النسبة أقل بكثير في الاتحاد الأفريقي والهند وأقل البلدان نمواً، كما أنّ الانبعاثات الاستهلاكية لا زالت غير متساوية إلى حد كبير.
الجدول 1: الانبعاثات الإجمالية والفردية والتاريخية لبلدان ومناطق مختارة

ملاحظة: يتم احتساب الانبعاثات على أساس إقليمي. تُستبعد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن استخدام الأراضي وتغيير استخدامها وقطاع الغابات من الانبعاثات الحالية والفردية لغازات الدفيئة، ولكنها تُدرج ضِمن الانبعاثات التاريخية لثاني أكسيد الكربون استناداً إلى نهج المحاسبة، كما أن بعض أعضاء الاتحاد الإفريقي هم أيضاً من البلدان الأقل نمواً.
قامت 90 في المائة من البلدان الأطراف في اتفاق باريس بتحديث أو تبديل مساهماتها المحددة وطنياً منذ اعتماد الاتفاق. ومع ذلك، ظهرت معظم ملامح هذا التحسن في الفترة التي سبقت الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP 26) في عام 2021. على الرغم من الطلبات التي صدرت عن الدورات الثلاث الأخيرة لمؤتمر الأطراف والتي دعت إلى تعزيز أهداف عام 2030، إلا أن هناك بلداً واحداً فقط عزّز أهدافه منذ الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف.
بموجب السياسات الحالية، يُتوقع أن تبلغ الانبعاثات العالمية لعام 2030 نحو 57 غيغا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون (نطاق يتراوح بين 53 و59 غيغا طن)، وهو أعلى قليلاً من تقييم العام الماضي، ونحو 2 غيغا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون (نطاق يتراوح بين 0 و3 غيغا طن) فوق المساهمات المحددة وطنياً غير المشروطة، و5 غيغا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون (نطاق يتراوح بين 2 و9 غيغا طن) فوق المساهمات المحددة وطنياً المشروطة (انظر الجدول 2). وتبقى هذه الفجوة في تنفيذ السياسات لتحقيق المساهمات المحددة وطنياً لعام 2030 تقريباً كما كانت عليه في تقييم العام الماضي.
يظهر التقييم أنّ أعضاء مجموعة العشرين لا يزالون يخفقون جماعياً في تحقيق أهداف مساهماتهم المحددة وطنياً لعام 2030، حيث إنّ توقعات السياسات الحالية تتجاوز توقعات المساهمات المحددة وطنياً بمقدار 1 غيغا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون في عام 2030. يظهر التقييم أنّ هناك أحد عشر بلداً من أعضاء مجموعة العشرين لا تزال بعيدة عن تحقيق الأهداف الموضوعة لمساهماتها المحددة وطنياً في ضوء سياساتها الحالية. في حين أنّ العديد من البلدان الأعضاء لم تعزز مستويات الأهداف لمساهماتها المحددة وطنياً أو عززتها بشكل متواضع، يُتوقع أن تحقق مستويات أهدافها في آخر مساهماتها المحددة وطنياً. علاوةً على ذلك، يبدو أنّ هدف المساهمات المحددة وطنياً المطلوبة من مجموعة العشرين جماعياً هي بعيدة كل البعد عن متوسط النسبة المئوية للتخفيضات العالمية المطلوبة للتوافق مع السيناريوهَين: الحد من الاحترار العالمي إلى درجتين مئويتين و1.5 درجة مئوية (الرسم التوضيحي 2).
إن اعتماد وتنفيذ سياسات إضافية و أكثر صرامة يُعد أمراً ضرورياً في مختلف البلدان والقطاعات بُغية تحقيق أهداف المساهمات المحددة وطنياً لعام 2030. على الرغم من إحراز تقدّم في سياسة المناخ في العديد من البلدان، لا يزال النقص موجوداً في الدراسات التي تقيّم تأثيرات هذه السياسات على انبعاثات غازات الدفيئة في عام 2030. بالتالي، يتعذّر تقييم ما إذا كانت السياسات الجديدة لأعضاء مجموعة العشرين، التي اعتُمدت بين حزيران/يونيو 2023 وحزيران/يونيو 2024، ستؤثر بشكل كبير على الانبعاثات العالمية في عام 2030.
الرسم التوضيحي 2: الوضع الحالي للأهداف المحددة وطنياً والفجوات في التنفيذ لأعضاء مجموعة العشرين بشكل جماعي وفردي بحلول عام 2030 مقارنةً بانبعاثات عام 2019

اعتباراً من 1 حزيران/يونيو 2024، تبنّى 101 طرفاً يمثلون 107 بلداً مسؤولاً عن حوالي 82% من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية إلى اعتماد تعهدات بتحقيق صافي الانبعاثات الصفري، سواء في القانون (28 طرفاً) أو في وثيقة سياسية مثل المساهمات المحددة وطنياً أو استراتيجية طويلة المدى (56 طرفاً)، أو في إعلان من مسؤول حكومي رفيع المستوى (17 طرفاً). وقد حدّد جميع أعضاء مجموعة العشرين، باستثناء المكسيك والاتحاد الأفريقي (مجتمعين)، أهداف لتحقيق صافي الانبعاثات الصفري. مع ذلك، تم إحراز تقدم محدود بشكل عام منذ تقييم العام الماضي فيما يخص المؤشرات الرئيسية للثقة في تنفيذ صافي الانبعاثات الصفري، بما في ذلك الوضع القانوني ووجود خطط التنفيذ وجودتها، وانسجام مسارات الانبعاثات على المدى القريب مع أهداف تحقيق صافي الانبعاثات الصفري.
إن بلوغ الذروة في انبعاثات غازات الدفيئة يُعتبر شرطاً أساسياً لتحقيق صافي الانبعاثات الصفري. هناك سبعة بلدان من أعضاء مجموعة العشرين لم تبلغ عن ذروة الانبعاثات بعد، وهو ما يُعرف بأنه بلوغ الحد الأقصى للانبعاثات قبل خمس سنوات على الأقل من العام الذي تتوفر فيه أحدث بيانات الجرد (الصين، والهند، وإندونيسيا، والمكسيك، والمملكة العربية السعودية، وجمهورية كوريا، وتركيا). بالنسبة لهذه البلدان، فإن الجهود المبذولة للوصول إلى ذروة الانبعاثات في وقت مبكر وبمستويات أقل مع انخفاضات سريعة لاحقة من شأنها أن تسهل إحراز أهدافها لتحقيق صافي الانبعاثات الصفري. وأما بالنسبة لمعظم البلدان العشرة الأعضاء في مجموعة العشرين والتي بلغت انبعاثاتها الذروة بالفعل (الأرجنتين، وأستراليا، والبرازيل، وكندا، والاتحاد الأوروبي، واليابان، والاتحاد الروسي، وجنوب إفريقيا، والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية، والولايات المتحدة الأمريكية)، فإن معدل خفض انبعاثات الكربون لديها يحتاج إلى التسارع، بشكل كبير في بعض الحالات، بعد عام 2030 لإحراز أهدافها المتعلقة بتحقيق صافي الانبعاثات الصفري، ما لم تسرّع إجراءاتها الآن وتحقّق أهداف مساهماتها المحددة وطنياً لعام 2030. فيما يتعلّق بهذه البلدان، فإن تسريع التقدّم على المدى القريب من شأنه أن يقلل من الانبعاثات التراكمية، مع تجنب الاعتماد لاحقاً على إجراءات غير قابلة للتطبيق لخفض معدلات انبعاثات الكربون بشكل سريع. كما أنّ ما وضعته البلدان لنفسها حالياً من مساهمات محددة وطنياً وأهداف لتحقيق صافي الانبعاثات الصفري يشير إلى أنّ البلدان التي لم تبلغ الذروة بعد لديها نافذة زمنية أضيق بكثير بين بلوغ الذروة وتحقيق صافي الانبعاثات الصفري مقارنة بتلك التي بلغت الذروة بالفعل.
تُعرف فجوة الانبعاثات بأنها الفرق بين مستوى الانبعاثات العالمية للغازات الدفيئة الناتجة عن التنفيذ الكامل لأحدث المساهمات المحددة وطنياً، والمستويات ضِمن المسارات الأقل تكلفةً المتوافقة مع هدف درجة الحرارة المنصوص عليه في اتفاق باريس.
ظلت فجوات الانبعاثات في عامي 2030 و2035 بدون تغيير منذ تقييم العام الماضي (انظر الرسم التوضيحي 3 والجدول 2)، حيث لم تكن هناك أي مقترحات جديدة بمساهمات محددة وطنياً ذات آثار كبيرة على الانبعاثات العالمية، ولا تحديثات على تقديرات تداعياتها، ولا بيانات حديثة عن المسارات الأقل تكلفة. للوصول إلى المسار الصحيح للحدّ من الاحترار العالمي إلى أقل من درجتَين مئويتين، يجب أن تكون الانبعاثات السنوية في عام 2030 أقل بمقدار 14 غيغا طن من ثاني أكسيد الكربون (نطاق يتراوح بين 13 و16 غيغا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، أي باحتمال يزيد عن 66 في المائة) وهو أقل مما تتضمنه المساهمات المحددة وطنياً غير المشروطة الحالية، و22 غيغا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون (نطاق يتراوح بين 21 و24 غيغا طن، أي باحتمال يزيد عن 50 في المائة)، وهو أقل للوصول إلى حد الاحترار العالمي بمقدار 1.5 درجة مئوية. في عام 2035، ستزداد هذه الفجوات بمقدار 4 غيغا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون عند حد درجتين مئويتين، و7 غيغا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون عند حد 1.5 درجة مئوية. وفي حال تنفيذ المساهمات المحددة وطنياً بشكل كامل، ستنخفض الفجوات في عامَي 2030 و2035 لحدَّي درجة الحرارة بنحو 3 غيغا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون (انظر الرسم التوضيحي 3).
يقلل التنفيذ الكامل للمساهمات المحددة وطنياً، سواء غير المشروطة أو المشروطة، من حجم الانبعاثات المتوقعة في عام 2030 بنسبة 4 في المائة و10 في المائة على التوالي، مقارنةً بمستويات عام 2019. و مع ذلك، هناك حاجة إلى خفض الانبعاثات بنسبة 28 في المائة لعام 2030 لتتوافق مع هدف الدرجتَين المئويتَين، وخفض الانبعاثات بنسبة 42 في المائة لتتوافق مع هدف 1.5 درجة مئوية. هذه التقديرات مساوية أيضاً لتلك الواردة في تقييم العام الماضي. تنص المساهمات المحددة وطنياً لعام 2035 على خفض الانبعاثات العالمية بنسبة 37 و57 في المائة عن مستويات عام 2019 لتتوافق مع هدف الدرجتَين المئويتَين وهدف 1.5 درجة مئوية على التوالي.
ما لم يتم خفض الانبعاثات العالمية في عام 2030 إلى ما دون المستويات الناتجة عن السياسات الحالية والتنفيذ الكامل للمساهمات الحالية المحددة وطنياً، فسيكون من المستحيل الوصول إلى مسار يحدّ من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية بدون تجاوز الحد الأقصى أو مع تجاوزه بشكل محدود (أي باحتمال يزيد عن 50 في المائة)، الأمر الذي يرفع كثيراً مستوى التحدي المتمثل في الحد من الاحترار إلى درجتَين مئويتَين. إن البدء بالانبعاثات العالمية التي تتضمنها المساهمات المحددة وطنياً غير المشروطة لعام 2030 سيضاعف المعدل المطلوب لخفض الانبعاثات السنوية بين عامَي 2030 و2035، مقارنةً بالإجراءات المعززة الفورية. على وجه التحديد، إذا بدأت عملية تنفيذ الإجراءات بما يتماشى مع مسارات الوصول إلى درجتَين مئويتَين أو 1.5 درجة مئوية في عام 2024، فسيتعيّن خفض الانبعاثات العالمية بمعدل يتراوح بين 4 في المائة و7.5 في المائة سنوياً حتى عام 2035 على التوالي. وإذا تأخر اتخاذ إجراءات معززة تتجاوز المساهمات المحدّدة وطنياً الحالية غير المشروطة حتى عام 2030، فإنّ الانخفاضات المطلوبة في الانبعاثات السنوية سوف ترتفع إلى متوسط يبلغ 8 في المائة و15 في المائة للحد من الاحترار العالمي إلى درجتين مئويتين أو 1.5 درجة مئوية على التوالي.
الرسم التوضيحي 3: الانبعاثات العالمية لغازات الدفيئة في ظل سيناريوهات مختلفة وفجوة الانبعاثات في عامَي 2030 و2035

الجدول 2: إجمالي الانبعاثات العالمية للغازات الدفيئة في الأعوام 2030 و2035 و2050، والفجوات المقدرة في ظل سيناريوهات مختلفة

يعتمد تقييم فجوة الانبعاثات لعامَي 2030 و2035 على مسارات أقل تكلفة تتماشى مع الحد من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية و1.8 درجة مئوية ودرجتَين مئويتَين. تفترض هذه المسارات اتخاذ إجراءات تخفيف قوية تبدأ في عام 2020، ما يؤدي إلى انخفاضات كبيرة في انبعاثات غازات الدفيئة خلال هذا العقد. مع ذلك واصلت الانبعاثات العالمية لغازات الدفيئة ارتفاعها ولا سيّما غاز الميثان بعد الانخفاض المؤقت في الانبعاثات نتيجة لجائحة كوفيد-19.
ثمة تداعيات تنجم عن عدم اتّخاذ الإجراءات اللازمة وتضييع الوقت، إذ أدّى ذلك إلى تقليص ميزانية الكربون المتبقية، والتي يُقدّر أن تبلغ نحو 900 غيغا طن من ثاني أكسيد الكربون في عام 2024 للحد من الاحترار العالمي إلى أقل من درجتين مئويتين (أي باحتمال يزيد عن 66 في المائة) و200 غيغا طن للبقاء تحت حد 1.5 درجة مئوية (أي باحتمال يزيد عن 50 في المائة). إذا لم تُسَد فجوة الانبعاثات بحلول عام 2030، فستنتج انبعاثات إضافية تتراوح بين 20 و35 غيغا طن من ثاني أكسيد الكربون خلال الفترة 2020–2030، مقارنةً بالمسارات المتوافقة مع اتفاق باريس، ما سيؤدي إلى زيادة في درجات الحرارة تتراوح بين 0.01 و0.02 درجة مئوية فوق المسارات الأصلية.
يُرجى العِلم أن التقاعس عن العمل المناخي يقلل من احتمالية سد فجوة الانبعاثات بحلول عام 2030، حيث يؤدي إلى استمرار الاعتماد على البنية الأساسية كثيفة الكربون وتقليص الوقت المتاح لتحقيق الانخفاضات المطلوبة في مستوى الانبعاثات. هذا الأمر يزيد من مخاطر تجاوُز درجات الحرارة المتفق عليها، ويضاعف من شدة الآثار المناخية، التي قد لا يمكن إصلاح بعضها.
من المتوقع أن يؤدي الاستمرار ببذل جهود التخفيف التي تتضمنها السياسات الحالية إلى الحد من الاحترار العالمي إلى 3.1 درجة مئوية كحد أقصى (ضمن نطاق يتراوح بين 1.9 و3.8) بحلول نهاية القرن، بينما قد يُسهم التنفيذ الكامل للمساهمات المحددة وطنياً غير المشروطة أو المشروطة في خفض هذه التوقعات إلى 2.8 درجة مئوية (نطاق يتراوح بين 1.9 و3.7) و2.6 درجة مئوية (نطاق يتراوح بين 1.9 و3.6) على التوالي. جميع هذه التوقعات تتضمن نسبة احتمال لا تقل عن 66 في المائة (الرسم التوضيحي 4).
في جميع هذه السيناريوهات الثلاثة، تُظهر التوقعات المركزية للاحترار أن فرصة الحدّ منه بمقدار 1.5 درجة مئوية ستكون شبه معدومة (الرسم التوضيحي 4). بحلول منتصف القرن، تشير التوقعات إلى أنّ الاحترار العالمي سيتجاوز بشكل كبير 1.5 درجة مئوية، مع احتمالية تصل إلى 1 من 3 أن يكون الاحترار قد تجاوز درجتين مئويتين بحلول ذلك الوقت. يُتوقع أيضاً استمرار ارتفاع درجات الحرارة بعد عام 2100، حيث لن تصل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى مستويات الصافي الصفري في ضوء هذه السيناريوهات.
إن السيناريو الوحيد الذي يقترب من هدف درجة الحرارة المنصوص عليه في اتفاق باريس هو السيناريو الأكثر تفاؤلاً، والذي يفترض التنفيذ الكامل لجميع التعهدات الأكثر صرامة التي قطعتها البلدان حالياً، أي المساهمات المحددة وطنياً المشروطة وجميع تعهدات بتحقيق صافي الانبعاثات الصفري، بما فيها تلك المقدّمة كجزء من استراتيجيات التنمية طويلة المدى منخفضة الانبعاثات. يُقدَّر أن يحد هذا السيناريو من الاحترار خلال القرن إلى 1.9 درجة مئوية (نطاق يتراوح بين 1.8 و2.3 درجة مئوية، باحتمال يزيد عن 66 في المائة). هذا هو أيضاً السيناريو الوحيد القائم على التعهدات الذي يتم فيه استقرار الاحترار العالمي على مدار هذا القرن.
تُبرز هذه التوقعات الأثر الحاسم للإجراءات الفورية على النتائج المحتملة لدرجات الحرارة، والحاجة إلى تعزيز الدعم من أجل تمكين البلدان من تحقيق العناصر المشروطة في مساهماتها المحددة وطنياً. تُظهر التوقعات المستندة إلى تنفيذ ومواصلة سيناريو المساهمات المحددة وطنياً المشروطة انخفاضاً في ذروة الاحترار العالمي بنحو 0.5 درجة مئوية مقارنةً بالسيناريوهات المستندة إلى السياسات الحالية. علاوةً على ذلك، فإنّ الوفاء بالمساهمات المحددة وطنياً المشروطة على المدى القريب يعزّز احتمالية الوفاء بالتعهدات لتحقيق الصافي الصفري، ما يؤدي إلى انخفاض إضافي في توقعات الاحترار العالمي بحوالي 0.5 درجة مئوية وتؤكد هذه النتائج على الأهمية الحاسمة ليس فقط في تحقيق تخفيضات الانبعاثات الموعودة لعام 2030، بل في تجاوزها، بالتزامن مع قفزة نوعية في الطموح في المساهمات المحددة وطنياً المقبلة.
الرسم التوضيحي 4: توقعات الاحترار العالمي في ضوء السيناريوهات القائمة على التعهدات المقيّمة

يوفّر اتفاق باريس مرونة في ترجمة الأهداف المراحل الأساسية العالمية إلى تنفيذ وطني. يمكن للنماذج العالمية أن تُسهم في إرشادنا نحو فهم ما هو مطلوب فيما يخص المساهمات الوطنية في المساهمات المحددة وطنياً المقبلة من أجل الوصول إلى مسارات تتماشى مع هدف درجة الحرارة المنصوص عليه في اتفاق باريس. في الوقت نفسه، يمكن أن تحسّن السيناريوهات الوطنية لخفض انبعاثات الكربون من فهمنا لمدى إمكانية التنفيذ على مستوى كل بلد على حِدة. قد يشمل كِلا النهجَين اعتبارات تتعلق بالإنصاف والعدالة في تطويرهما وتقييمهما.
تُظهر النتائج التوضيحية أنّ أعضاء مجموعة العشرين يجب أن يتحركوا بشكل أسرع وأبعد؛ إذ إنّ أهداف المساهمات المحددة وطنياً الحالية لهذه البلدان جماعياً لا تتماشى مع المسارات الفعالة من حيث التكلفة ولا مع المسارات القائمة على الحصص العادلة التي تتوافق مع هدف درجة الحرارة المنصوص عليه في اتفاق باريس (الرسم التوضيحي 5).
تُعد مجموعة العشرين مجموعة من البلدان المتنوعة إلى حد كبير، وهذا التنوع ينطبق أيضاً على الانبعاثات التاريخية والحالية والفردية. وهذا يعني أن بعض البلدان في مجموعة العشرين ستحتاج إلى خفض انبعاثاتها بوتيرة أسرع من غيرها. بالإضافة إلى ذلك، يُعدّ تعزيز التعاون والدعم على الصعيد الدولي، بما في ذلك زيادة التمويل المناخي، أمراً ضرورياً لضمان توفير الفرص وبذل الجهود من أجل تحقيق الأهداف العالمية للتخفيف والتنمية بشكل عادل بين أعضاء مجموعة العشرين وعلى المستوى العالمي.
بدأت تظهر سيناريوهات وطنية لخفض انبعاثات الكربون في الكثير من البلدان، وهي تحقق أولويات التنمية الوطنية إلى جانب تطبيق إجراءات التخفيف الطموحة. تشير عدة دراسات إلى أنه من الممكن، سواء لأعضاء مجموعة العشرين الذين بلغوا ذروة الانبعاثات أو الذين لم يصلوا إليها بعد، أن يخفضوا انبعاثاتهم بحلول عام 2030 إلى ما دون أهداف المساهمات المحددة وطنياً الحالية، وأن يضعوا طموحات وطنية أعلى بكثير لعام 2035. قد تسهم مثل هذه الدراسات في تفسير كيفية عمل البلدان على إبراز أقصى طموحاتها الممكنة في المساهمات المحددة وطنياً المقبلة، وفقاً للمادة 4 من اتفاق باريس.
يمكن أن توفر النُهُج المختلفة رؤىً متباينة للغاية حول ما قد يشمله تقديم مساهمة محددة وطنياً عادلة وطموحة. نظراً إلى وجود هذه الاختلافات، فإن الشفافية والوضوح من قِبل كل بلد حول كيفية انعكاس أعلى مستوى ممكن من طموحاته الممكنة في مساهماته المحددة وطنياً المقبلة، وأخذ العدالة بعين الاعتبار، يمكن أن يسهم في إجراء تقييم أكثر إطلاعاً للجولة المقبلة من المساهمات المحددة وطنياً.
الرسم التوضيحي 5: نطاقات التخفيف العادلة والفعالة من حيث التكلفة والمتوافقة مع حدود درجات الحرارة المختلفة لمجموعة العشرين جماعياً

تُظهر النتائج أنّ التقدم نحو تحقيق المعايير القطاعية المفصّلة والمحددة في المواد المنشورة لكي تتماشى مع مسارات 1.5 درجة مئوية، أقل بكثير من التحول المطلوب في الأنظمة. تقدم الجولة المقبلة من المساهمات المحددة وطنياً فرصةً للبلدان من أجل تضمين أهداف وخطط قطاعية طموحة، وثمة فرص كبيرة لتحقيق ذلك.
يوضّح التقييم المستكمَل لإمكانات خفض الانبعاثات القطاعية لغازات الدفيئة أنّ الإمكانات التقنية والاقتصادية للتخفيف بتكاليف أقل من 200 دولار أمريكي لكل طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون كافية لسد فجوة الانبعاثات المحددة لعامَي 2030 و2035. ويتم تقدير هذه الإمكانات بنحو 31 غيغا طن مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنوياً بحلول عام 2030 (نطاق يتراوح بين 25 و35) و41 غيغا طن مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنوياً بحلول عام 2035 (نطاق يتراوح بين 36 و46) (الرسم التوضيحي 6).
من اللافت أن زيادة الاعتماد على خيارين فقط من الخيارات المثبتة والمجدية اقتصادياً قد تؤدي إلى نتائج كبيرة، وهما الطاقة الشمسية الكهروضوئية وطاقة الرياح، اللذان يمثلان 27 في المائة من إجمالي إمكانات خفض الانبعاثات في عام 2030 و38 في المائة في عام 2035. في قطاع الغابات، يُعد تقليل إزالة الغابات وزيادة إعادة التشجير وتحسين إدارة الغابات بمثابة خيارات منخفضة التكلفة متاحة بالفعل، مع إمكانات كبيرة لخفض الانبعاثات بنحو 19 و20 في المائة عن الإمكانات الإجمالية في عامَي 2030 و2035 على التوالي. إنّ الخيارات الأخرى الهامة والمتاحة بسهولة لتخفيف الانبعاثات تشمل تدابير متعلقة بالطلب، وتدابير الكفاءة، والتحوّل إلى الكهرباء والتحوّل إلى الوقود في قطاعات البناء والنقل والصناعة.
يتطلب تحقيق إمكانات التخفيف هذه حتى ولو بشكل جزئي، تنفيذ اتخاذ إجراءات سياسية سريعة وغير مسبوقة على مستوى العالم، من خلال اتباع نهج يشمل الحكومة بأكملها يركّز على التنمية المستدامة والقادرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ويعالج العوائق بفعالية، ويحفز عمل القطاعَين العام والخاص.
إنّ تدابير التخفيف المصممة والمنفذة للاستجابةً لاحتياجات العديد من الأطراف المعنية، والتي تزيد من المنافع المشتركة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية وتقلل من المقايضات، من المرجّح أن تكون تدابير أكثر نجاحاً لدى تنفيذها وتوسيع نطاقها.
بشكل عام، يُقدّر أن المواءمة مع سيناريوهات 1.5 درجة مئوية تتطلب زيادة في الاستثمارات في إجراءات التخفيف بما لا يقل عن ستة أضعاف، إلى جانب تحوّل في أنماط الاستثمار، مع التركيز على أنشطة التخفيف وتوجيه التمويل الدولي نحو الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية خارج الصين. تواجه هذه المناطق احتياجات تنموية ملحة، لكن نمو الاستثمار قد تعثر منذ الأزمة المالية عام 2008.
سيكون جزء صغير فقط من هذه الاستثمارات تراكمياً، إذ ستكون هناك حاجة إلى استثمارات كبيرة كل عام لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة وسائر احتياجات التنمية، خاصة في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية. تُقدَّر الاستثمارات العالمية التراكمية اللازمة لتحقيق التحوّل إلى صافي الانبعاثات الصفري بقرابة 0.9 تريليون دولار أمريكي إلى 2.1 تريليون دولار أمريكي سنوياً بين عامَي 2021 و2050، وهو مبلغ كبير ولكن يمكن تدبيره في السياق الأوسع للاقتصاد العالمي والأسواق المالية التي تقدر بنحو 110 تريليون دولار أمريكي.
الرسم التوضيحي 6: نظرة عامة على إمكانات التخفيف السنوية بحلول عام 2035 حسب القطاع حتى 200 دولار أمريكي/طن مكافئ من ثاني أكسيد الكربون

الوفاء بأعلى المعايير: يشمل جميع الغازات المدرجة في بروتوكول كيوتو، ويغطي جميع القطاعات، ويضع أهداف محددة وقابلة للقياس الكمي فيما يتعلق بسنة الأساس، ويكون صريحاً بشأن العناصر المشروطة وغير المشروطة.
تفصيل كيفية وضع خطط وطنية تعطي الأولوية للتنمية وإحراز تقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، بما في ذلك المرونة والتكيف والانتقال العادل، بالاتساق مع الجهود الطموحة لتقليل الانبعاثات.
توفير الشفافية والوضوح حول كيفية انعكاس تقديم المساهمة المحددة وطنياً لكل من الحصة العادلة وأعلى مستوى ممكن من الطموح، نظراً إلى متطلبات جميع البلدان لتقديم تعهدات تبرز مستوى تنميتها وانبعاثاتها التاريخية وإسهامها الحالي في الاحترار العالمي من خلال الانبعاثات الإقليمية والاستهلاكية.
تضمين خطط تنفيذ تفصيلية تسعى إلى تسريع إجراءات التخفيف الآن وتحديد أهداف تخفيف أكثر طموحاً بشكل ملحوظ لعام 2035. يجب أن تأخذ في الاعتبار المعايير المرجعية القطاعية وجميع خيارات وإمكانات التخفيف ذات الصلة بالسياقات الوطنية. وينبغي أيضاً أن توضح كيف تساهم هذه الخطط في مضاعفة نشر الطاقة المتجددة بمعدّل ثلاث مرات، ومضاعفة معدلات كفاءة الطاقة السنوية بمعدل مرتين بحلول عام 2030، وفي التحول بعيداً عن الوقود الأحفوري، كما يجب وصف الآليات المتعلقة بالمراجعة والمساءلة.
استخدام المساهمات المحددة وطنياً لتوضيح العناصر المشروطة وغير المشروطة، مع تقديم تفاصيل من الاقتصادات الناشئة والبلدان النامية حول وسائل التنفيذ التي تحتاج إليها، بما في ذلك التغييرات المؤسساتية والسياسية، فضلاً عن الدعم المالي الدولي المطلوب لتحقيق الأهداف الطموحة للمساهمات المحددة وطنياً لعام 2035.