أصحاب المعالي والسعادة، السيدات والسادة الكرام،
في لقائنا اليوم، قلوبنا مع أهل بيروت وهم يتعافون من الدمار الناتج عن الانفجار الذي وقع في المرفأ، وكل من يعاني من الآثار الصحية والاقتصادية للجائحة.
تولى الأولوية بالتأكيد إلى الاستجابة الإنسانية عند وقوع الكوارث لإنقاذ الأرواح وتقديم الدعم للضحايا الذين هم بأمس الحاجة إلى ذلك. لقد رأينا هذا التضامن في العمل خلال الأيام الماضية، حيث تعهدت الحكومات بتقديم مئات الملايين من الدولارات لمساعدة لبنان. إن برنامج الأمم المتحدة للبيئة يعمل على أرض الواقع في لبنان ويعمل بشكل وثيق مع الجهات المشاركة والمعنية في الاستجابة للطوارئ لضمان معالجة المخاطر البيئية المرتبطة بهذا الانفجار بشكل مناسب.
يأتي هذا الاجتماع في الوقت الذي يواجه فيه العالم اضطرابات ومخاطر بيئية هائلة وتزايداً في وقوع الكوارث الطبيعية. فنحن هنا للعمل من أجل هذا الوضع المقلق عن طريق استخدام التعافي من الجائحة لإعادة البناء بشكل أفضل، ووضع صحة الكوكب في صميم قراراتنا جميعا .
وفي هذا الصدد، اسمحوا لي أن أتقدم بخالص شكري إلى حكومة مملكة البحرين على مشاركتها في تنظيم هذا الاجتماع.
معالي الوزراء وأصحاب السعادة،
لقد وضعنا الكوكب، وبالتالي أنفسنا، في زاوية ضمن الأزمة ثلالثية الأبعاد، وهي فقدان الطبيعة وتغير المناخ والتلوث.
نحن نعلم، من خلال تعاوننا الوثيق معكم أن الحكومات في غرب آسيا تعمل بجهد لمواجهة هذه التحديات المتزايدة لحماية الطبيعة، وتشجيع المزيد من الابتكار في كفاءة استخدام الموارد في تحولات استخدام الطاقة، والتكيف مع تغير المناخ. ونحن ندرك الخطوات الإيجابية التي تتخذها الحكومات الإقليمية لمعالجة الأزمات الإقليمية والعالمية. على سبيل المثال، جهود الحكومات للاستثمار في مصادر الطاقة النظيفة المتجددة[1]، ولحماية الطبيعة وتعزيز التنوع البيولوجي، فضلاً عن الجهود المبذولة الأخرى.
ندرك أيضًا مدى تعقيد معالجة التحديات البيئية، لا سيما في مناطق نشوب النزاع. لقد أطلعت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في الشهر الماضي على دعوتنا إلى السماح بالوصول إلى ناقلة النفط صافر. ويمكن لوحدة التخزين والتفريغ الطافية هذه الراسية قبالة سواحل اليمن، أن تتسبب في تسرب ضخم للنفط في أية لحظة. وتحمل وحدة التخزين ما يقدر بأربعة أضعاف كمية النفط المنسكبة من تسرب نفط إكسون فالديز Exxon Valdez. الوقت ينفد من أجل منع الأضرار الكارثية التي قد تلحق بالنظم البيئية للبحر الأحمر وسبل عيش 28 مليون شخص، مع آثار جانبية على الأمن في المنطقة.
أكمل برنامج الأمم المتحدة للبيئة أيضًا تقريرًا عن حالة البيئة في فلسطين والذي تم نشره في شهر مايو. ويواجه صانعو السياسات البيئية الفلسطينية قيودًا شديدة. وأنجز برنامج الأمم المتحدة للبيئة بكامل النطاق المتفق عليه لعمل التقييم البيئي؛ ونحن نخطط الآن لإجراءات المتابعة لضمان أن الاستثمارات نحو التعافي من جائحة كوفيد-19 في فلسطين تساهم أيضًا في تعزيز حماية البيئة والنمو الأخضر. وأود أن أشكر دولة فلسطين على دعمها لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة طوال هذه العملية، وأثني على القيادة الفلسطينية للسعي إلى الإدماج الكامل للقضايا البيئية في خطة الأمم المتحدة للاستجابة لجائحة جائحة كوفيد-19، بالاعتماد على العديد من نتائج تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
لقد زادت جائحة كوفيد-19 بالتأكيد من التحديات التي نواجهها في غرب آسيا وعلى مستوى العالم. قبل عام 2020، كنا نعلم أنه سيكون من الصعب تنفيذ العديد من الاتفاقيات الدولية المصممة لحماية البيئة، من جدول أعمال عام 2030 إلى اتفاق باريس، على رغم الوعود الذي قطعناها بموجب هذه الاتفاقيات، لكن هذه الوعود والإجراءات التي تدعمها ليست كافية.
لقد أدركنا ذلك جيدا من قبل، لكن ربما لم نشعر به بما يكفي. لقد جعلتنا جائحة كوفيد-19 نشعر بذلك. لقد جعلت آثار هذه الجائحة البشرية تجثو على ركبتيها والتى كشفت لنا أوجه عدم المساواة حول العالم من خلال تأثيرها على الفئات الأكثر فقراً وضعفاً.
جائحة كوفيد-19 في دول غرب آسيا
كما هو الحال في أماكن أخرى من العالم، كان لجائحة كوفيد-19 تأثير مدمر على دول المنطقة، حيث كشفت الجائحة عن بعض من الأخطاء ونقاط ضعف خطيرة في المجتمعات والمؤسسات والاقتصادات في المنطقة العربية. تُعد جائحة كوفيد-19 تهديدًا مميتًا لنحو 26 مليون لاجئ ونازح في المنطقة. ويعيش العديد من هؤلاء الأشخاص في مستوطنات أو مخيمات عشوائية أو غير رسمية، مع صعوبة الحصول على خدمات الرعاية الصحية أو المياه أو الصرف الصحي. ويجب علينا فعل كل ما في وسعنا لحمايتهم.
كما ندرك أن الضرر الاقتصادي أيضاً مدمر. ومن المتوقع أن ينكمش اقتصاد غرب آسيا بنسبة 3.5 في المائة في عام 2020، الذي يتبعه انتعاش تدريجي في عام 2021.
الأزمة الثلاثية للكوكب: المناخ والطبيعة والتلوث
معالي الوزراء وأصحاب السعادة،
لقد قيل لنا منذ فترة طويلة أن مثل هذه الجائحة والضرر التي قد تسببه، كانت بمثابة قضية ’’متى؟ وليس اذا لو‘‘. لكننا لم نستعد بشكل مناسب ولم نخفف من المخاطر. ربما قد يكون عيبًا في طبيعتنا البشرية أننا لا ندرك المخاطر إلا بعد تعرضنا لها.
فالآن لن تكون لنا مبررات. يجب علينا أن نعمل.
وعلينا أن ندرك أن جائحة كوفيد-19 ليست مشكلة قائمة بذاتها. بل إنها جزء من الأزمة الثلاثية – الذي تنبع من التوسع البشري المستمر والاستهلاك والإنتاج غير المستدامين.
يعرض فقدان الطبيعة والتنوع البيولوجي البشرية الى الإصابة بالأمراض الحيوانية المنشأ مثل جائحة كوفيد-19، في حين أن ذلك يدمر النظم الطبيعية التي تبقينا على قيد الحياة. ويمكن تشبيه هذه الحالة كأننا واقفين على قمة شجرة، بينما نقوم بنشر أو قص جذع الشجرة الموجودة أسفلنا لجمع الحطب.
يتسبب تغير المناخ بالفعل في اندلاع حرائق الغابات والتعرض لموجات الحر الشديدة والجفاف المدمر والفيضانات المرعبة في جميع أنحاء العالم. ومن دون اتخاذ الإجراءات اللازمة، يمكننا أن نتوقع تصاعد وتيرة هذه التأثيرات حيث نواجه خطرًا حقيقيًا للغاية يتمثل في فقدان هدف باريس الذي يتمثل في الإبقاء على درجات الحرارة دون 1.5 درجة مئوية.
يتسبب التلوث وسوء إدارة المواد الكيميائية والنفايات في مشاكل عديدة – بدءا من الضباب الذي يخيم على العديد من المدن الكبرى في العالم مما يؤدي إلى التسمم البطيء للملايين من الناس والبيئة، وصولا إلى المشاهد المروعة التي شهدناها في بيروت.
معالجة الأزمة الثلاثية في التعافي من جائحة كوفيد-19
في حين أنني وصفت لكم صورة قاتمة بشأن هذا الموضوع، إلا أننا لدينا الآن فرصة حقيقية للعمل من خلال ضمان إعطاء الأولوية لصحة الكوكب في خطط التعافي.
حتى الآن، قدمت دول منطقة غرب آسيا أكثر من 150 حلاً من الحلول السياساتية استجابةً للجائحة. وتستهدف معظم هذه السياسات تقديم الدعم الاقتصادي وتوفير الحماية. ويمكن إلى حد ما تفهم هذا الأمر، لكنه أيضًا يمثل فرصة ضائعة.
إذا نظرنا إلى الأرقام، فإن الاستثمار في التعافي الأخضر يعد الشيء الوحيد المنطقي من الناحية الاقتصادية. يتسبب تفشي الأمراض الحيوانية المنشأ في تكبد تريليونات الدولارات من التكاليف في جميع أنحاء العالم. ففي غضون ذلك، يشير بحث جديد إلى أن اتخاذ سلسلة من التدابير لحماية العالم الطبيعي وخدمات النظام البيئي ستكلف 2 في المائة فقط من فاتورة التعافي بعد جائحة كوفيد-19.
هناك التزام عالمي للتصدي لجائحة كوفيد-19. لقد التزم قادة مجموعة العشرين في قمة جائحة كوفيد-19بوضوح "بحماية الحياة البشرية، واستعادة الاستقرار الاقتصادي العالمي، ووضع أسس متينة لنمو قوي ومستدام ومتوازن وشامل". وإنني أُشيد بالمملكة العربية السعودية لقيادتها المقتدرة لمجموعة العشرين. ويسر برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن يواصل تقديم دعمه للرئاسة لضمان نجاح عملية مجموعة العشرين ونتائجها.
وللوفاء بهذا الالتزام، يجب على الدول النظر في خمس نقاط رئيسية لإدراجها في خطط التحفيز وهي:
- الأهمية المحورية للدخل والوظائف "المواتية للبيئة واللائقة". لا سيما اتخاذ خطوات لتشجيع التحول إلى استخدام الطاقةالمراعية للبيئة ، مما يعني إنهاء الإعانات المالية للوقود الأحفوري.
- الاستثمارات في الثروة العامة والبنية التحتية الاجتماعية والبيئية. ويشمل ذلك تعزيز الحوكمة والإدارة والرصد للبيئة والموارد الطبيعية.
- المفهوم الدائري لتعزيز الاستهلاك والإنتاج المستدامين، مع التركيز على المياه. من المتوقع أن تتسبب ندرة المياه المرتبطة بالمناخ في هذه المنطقة في تكبد خسائر اقتصادية تقدر بنحو 6 إلى 14 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2050، وهي أعلى نسبة في العالم[2]. لكن ندرة المياه ليست بالأمر الجديد على المنطقة. يمكننا استخدام الممارسات التقليدية والتقنيات الجديدة لزيادة استدامة وكفاءة استخدام المياه[3].
- التمويل المسؤول لاستقرار المناخ وسلامة النظم البيئية.
- النتائج الشاملة للجميع من الناحية الاجتماعية.
ومع تعزيز المنطقة لاستثماراتها في البنية التحتية، فإنه يمكن للسلطات البيئية أن تضع بصمتها على هذه الخطط من خلال جعلها خططا مستدامة.
التحفيز في سياق العمليات العالمية
معالي الوزراء وواصحاب السعادة،
حان الوقت الآن لتنفيذ وعودنا وتوسيع نطاق التزاماتنا من أجل مستقبل أفضل وأكثر استدامة. وفي هذا السياق، أدعو جميع البلدان إلى بذل جهود جادة لتحقيق وعد اتفاق باريس من خلال زيادة التزاماتها في المساهمات الجديدة المحددة وطنياً.
ولا يقل أهمية عن ذلك الاتفاق على وضع إطار قوي وملائم للتنوع البيولوجي لما بعد عام 2020. ونتوقع التوصل إلى اتفاق طموح وواضح ومشترك لعالم يتسم بالطابع الإيجابي خلال مؤتمر الأطراف الخامس عشر. وهو اتفاق واضح بشأن التمويل وتنمية القدرات والشفافية والمساءلة. كما أنه اتفاق يُحظى بتأييد من القطاعات والمجموعات، العامة والخاصة، الذي يدفع فقدان التنوع البيولوجي: الزراعة والبنية التحتية والأشغال العامة والتخطيط الذي تقوم به البلديات والمستهلكين.
لنقوم بذلك سوياً، أو لا نقوم به على الإطلاق
إنني أتطلع إلى استمرار التعاون والشراكات مع حكومات غرب آسيا. على وجه الخصوص، سيكون من الملهم رؤية المزيد من المبادرات البيئية العالمية التي تنطلق من هذه المنطقة وتقودها، مما يمنحها صوتًا أقوى على الساحة العالمية وتنفيذًا أكثر تماسكًا على المستوى الإقليمي. ويمكن دعم ذلك وتوجيهه من خلال وجود منتدى إقليمي فى الوقت الذي نتجه فيه إلى انعقاد الدورة الخامسة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة في عام 2021. ومن الواضح أننا نلاحظ فائدة مثل هذه المنتديات في المناطق الأخرى التي يعمل فيها برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
أنتم قادة قطاع البيئة في دول غرب آسيا. لذلك، يمكن أن تساعد الإجراءات التي تتخذونها في حل بعض أكبر التحديات التي تواجه البشرية. وتكمن في هذه الغرفة الافتراضية القدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة. نحن بحاجة الي قيادتكم للمساعدة في وضع الطبيعة والإشراف البيئي في صميم عملية التعافي من جائحة كوفيد-19. ونتطلع في برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى دعمكم والتعاون معكم.
شكرا لسيادتكم.
المديرة التنفيذية
[1] https://www.worldbank.org/en/news/feature/2017/11/21/reforming-fossil-fuel-subsidies-for-a-cleaner-future
[2] Water Management in Fragile Systems: Building Resilience to Shocks and Protracted Crises in The Middle East and North Africa, World Bank and Food and Agriculture Organization of the United Nations, 2018, available here: https://www.worldbank.org/en/news/press-release/2018/08/28/effective-management-of-water-resources-in-arab-world-key-to-future-growth-and-stability
[3]One example is Tunisia’s revitalization of traditional water management structures and their fusion with small- and large-scale hydraulic solutions, which have brought benefits to both farmers and regional ecosystems. See R. Berndtsson, S. Jebarib, H. Hashemia and J. Wessels, Traditional irrigation techniques in MENA with a focus on Tunisia, HYDROLOGICAL SCIENCES JOURNAL – JOURNAL DES SCIENCES HYDROLOGIQUES, 2016 VOL. 61, NO. 7, 1346–1357
http://dx.doi.org/10.1080/02626667.2016.1165349 Special section: Hydrology and Peace in the Middle East