Photo: BBC
21 Apr 2022 Story الشباب والتعليم والبيئة

الأمم المتحدة تمنح المذيع ديفيد أتنبورو جائزة أبطال الأرض في فئة إنجاز العمر

Photo: BBC

عندما كان السير ديفيد أتينبورو صبيًا، أمضى الكثير من وقت فراغه في التنقل بين المحاجر المهجورة في الريف الإنجليزي، وهو في يده مطرقة. فريسته: الأمونيتات المتحجرة، الرخويات الحلزونية الشكل التي عاشت في زمن الديناصورات.

بالنسبة لأتينبورو الصغير السن، كانت الحفريات مثل الكنوز المدفونة وكان مندهشًا لكونه أول من نصب أعينه عليها منذ عشرات الملايين من السنين.

إن العالم الطبيعي سيبقيه مفتونًا ومندهشاً لبقية حياته.

اليوم، يمكن القول إن أتنبورو، البالغ من العمر 95 عامًا، هو أشهر مذيع معني بالتاريخ الطبيعي في العالم. وخلال مسيرته المهنية التي بدأت مع التلفزيون، كتب وقدم بعضًا من أكثر الأفلام الوثائقية تأثيرًا على حالة الكوكب، بما في ذلك سلسلة الحياة التي امتدت لعقد من الزمن والمكونة من تسعة أجزاء.

مع ما أسمته صحيفة نيويورك تايمز ’’رواية بصوت الرب‘‘ والفضول الكبير، قضى أتنبورو 70 عامًا في الكشف عن جمال العالم الطبيعي - وكشف التهديدات التي يواجهها. وخلال مسيرته، قدم أتنبورو لمئات الملايين من المشاهدين رؤية لمستقبل أكثر استدامة.

وكتب سيمون بارنز عالم البيئة والمؤلف: ’’إذا كان العالم، حقًا  سيُنقذ، فعندئذ سيكون لأتينبورو علاقة بإنقاذه أكثر من أي شخص آخر عاش على الإطلاق‘‘.

اعترفت الأمم المتحدة بتأثير أتينبورو الضخم على الحركة البيئية العالمية، ومنحته جائزة أبطال الأرض في فئة إنجاز العمر. وتعد الجائزة هي أعلى تكريم بيئي تمنحه الأمم المتحدة وتحتفي بأولئك الذين كرسوا حياتهم لمعالجة أزمات مثل تغير المناخ وفقدان الأنواع والتلوث.

وقالت إنغر أندرسن، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، عندما قامت بمنح الجائزة إلى أتينبورو: ’’لقد كنت مصدر إلهام غير عادي لكثير من الناس‘‘.

’’لقد تحدثت عن الكوكب قبل وقت طويل من فعل أي شخص آخر وما زلت تواصل بذل جهودك التي لا تعرف الكلل‘‘.

إلى جانب عمله في وسائل الإعلام، يعد السير ديفيد أتينبورو أحد الأصوات الرائدة في الحركة البيئية العالمية. وقد شارك في قمم تاريخية، مثل مؤتمر تغير المناخ بباريس عام 2015، حيث دعا إلى جهد عالمي موحد لمكافحة التهديدات التي تتعرض لها الأرض.

وقد تعاون أيضًا مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة لمدة أربعة عقود على الأقل، حيث أعطى صوته لسلسلة من الحملات والأفلام القصيرة التي سلطت الضوء على جهود المنظمة لمواجهة أزمة المناخ وفقدان التنوع البيولوجي والتلوث. ويأتي هذا العمل مدفوعاً بالاعتقاد بأنه لا يوجد بلد بمفرده يمكنه حل المشاكل البيئية لكوكب الأرض.

وقال أتينبورو لدى قبوله جائزة أبطال الأرض في فئة إنجاز العمر التي يمنحها برنامج الأمم المتحدة للبيئة: ’’"نحن نعيش في عصر لا تكفي فيه القومية ببساطة‘‘. ’’يجب أن نشعر أننا جميعًا مواطنون في هذا الكوكب الواحد. إذا عملنا معًا، يمكننا حل هذه المشكلات‘‘.

وجدير بالذكر أن أتنبورو تخرج من جامعة كامبريدج في عام 1947 وحصل على شهادة في العلوم الطبيعية، لكنه سرعان ما اكتشف أنه يفتقر إلى المهارات اللازمة للحياة كباحث. وهكذا، شق طريقه إلى هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) تمامًا عندما بدأ استخدام التلفزيون إلى المنازل.

A man and two children look at a cockatoo
يقدم أتنبورو الأمير تشارلز الشاب والأميرة آن إلى طائر البغبغاء الذي أحضره إلى المنزل بعد تصوير حلقة من المسلسل التلفزيوني Zoo Quest في عام 1958. تصوير: Reuters Connect

وكان أول ظهور تلفزيوني له في 21 ديسمبر 1954، في مسلسل Zoo Quest، وهو مسلسل متنقل قدم إلأى البريطانيين مخلوقات غريبة، مثل إنسان الغاب وتنانين كومودو.

كان أتينبورو إداريًا ومقدمًا موهوبًا بنفس القدر، وقد ارتقى في المناصب صفوف هيئة الإذاعة البريطانية الوطنية (بي بي سي)، وتولى في النهاية منصب رئيس بي بي سي الثانية. كان هناك حيث كلف بإعداد سلسلة برامج Monty Python Flying Circus، من بين سلاسل أخرى.

لكن الإدارة لم تناسبه حقًا، وفي عام 1973 استقال أتنبورو من منصب ترأس بي بي سي الثانية للعودة إلى تقديم الأفلام الوثائقية.

ستكون النتيجة سلسلته الأساسية عام 1979، الحياة على الأرض، وهي ملحمة تتتبع تاريخ عالم الكائنات الحية، من الميكروبات الأولية إلى البشرية.

واستمر المسلسل لمدة ثلاث سنوات وسافر أتينبورو مسافة 1.5 مليون ميل أثناء التصوير. من خلال نطاق المسلسل وطموحه، ستعيد الحياة على الأرض تعريف الأفلام الوثائقية للتاريخ الطبيعي وشاهدها حوالي 500 مليون مشاهد.

"نحن نعيش في عصر لا تكفي فيه القومية ببساطة‘‘. ’’يجب أن نشعر أننا جميعًا مواطنون في هذا الكوكب الواحد.‘‘

ديفيد أتينبورو

على مدى العقود الثلاثة التالية، كتب السيد أتينبورو وقدم ثمانية أفلام وثائقية عظيمة أخرى، التي لفت من خلالها انتباه العالم إلى ما يسميه ’’أعجوبة الطبيعة المذهلة‘‘.

ومع ذلك، شهد السيد أتنبورو، طوال حياته المهنية، انهيار العالم الطبيعي. بينما زاد الوجود البشري، انحسر تواجد الطبيعة. لقد أدى النشاط البشري إلى تغيير ثلاثة أرباع سطح الأرض وتعريض مليون نوع لخطر الانقراض.

وقال أتنبورو في ختام فيلم الكوكب الحي عام 1984: ’’بالرغم من قوتنا الهائلة اليوم، من الواضح أيضًا أننا سنكون أكثر قوة غدًا‘‘. ’’من الواضح أننا يمكن أن ندمر العالم. إن بقاء [الأرض] المستمر يعتمد الآن علينا جميعاً‘‘.

أظهرت أفلام السير أتنبورو للعالم أن الموارد الطبيعية ليست لانهائية ، وأن الطبيعة حساسة ويجب حمايتها ، وأن البشرية تتحرك بشكل خطير بعيدًا عن الطبيعة.

A man stands on a podium during a conference.
في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في اسكتلندا، قال أتينبورو إن الوقت يداهم العالم لمعالجة أزمة المناخ. تصوير: الأمم المتحدة

وفي العام الماضي، في منتصف التسعينيات من عمره، وجه السير أتنبورو كلمة إلى قادة العالم في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ في غلاسكو، اسكتلندا.

قال: ’’نحن بالفعل في مأزق‘‘. ’’هل هكذا ستنتهي قصتنا؟ قصة أكثر الأنواع ذكاءً محكوم عليها بهذه الخاصية البشرية للغاية المتمثلة في الفشل في رؤية الصورة الكبيرة من أجل السعي وراء أهداف قصيرة المدى.‘‘

لكن، كما هو الحال دائمًا، كانت كلمات أتينبورو مليئة بالتفاؤل. أحد الموضوعات المتكررة في أفلامه هو أنه على الرغم من الحالة الأليمة للكوكب، إلا أنه لا يزال بإمكان البشرية التراجع عن الضرر الذي تسببت فيه.

قال في عام 2020 في سلسلة ’’حياة كوكبنا‘‘، في نظرة إلى الوراء على حياته المهنية ’’ليس كل شيء قاتمًا‘‘. ’’لدينا فرصة لتعديل مسارنا إلى المسار الصحيح، وإكمال رحلتنا التنموية ولكي نصبح نوعًا متوازنًا مع الطبيعة مرة أخرى. كل ما نحتاجه هو الإرادة للقيام بذلك.‘‘

في هذا الفيلم نفسه، يقدم حلاً للتصالح مع الطبيعة. يتعلق الأمر برفع مستوى المعيشة في أفقر البلدان من أجل كبح النمو السكاني، واعتماد الطاقات النظيفة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، واستهلاك المزيد من الطعام النباتي، وتقدير ثروات الكوكب بصورة أكبر، والتخلي عن الوقود الأحفوري .

وقال: ’’إذا اعتنينا بالطبيعة، فإن الطبيعة ستعتني بنا‘‘. "لقد حان الوقت الآن لأن يتوقف نمو البشرية ببساطة، لتأسيس الحياة على كوكبنا بالتوازن مع الطبيعة، لبدء الازدهار.‘‘

’’ليس كل شيء قاتمًا‘‘. ’’لدينا فرصة لتعديل مسارنا إلى المسار الصحيح‘‘

ديفيد أتينبورو

أدى عمل أتنبورو ونشاطه إلى حصوله على لقب فارس (مرتين) وأصبح يحمل الاسم نفسه لعشرات الأنواع، من Attenborosaurus  (أحد الزواحف التي تسبح في عصور ما قبل التاريخ) إلى Attenborough's Nepenthes (نبات نبنتس).

في السنوات الأخيرة ، واصل أتنبورو سرد أفلام وثائقية عن التاريخ الطبيعي ، وحصل على ترشيحين لجائزة إيمي في عام 2021 (لقد فاز بثلاث جوائز إيمي وثمانية جوائز BAFTA في حياته المهنية).

وعلى مدى عقود، طلب قادة العالم إلى أتنبورو التوصل إلى حلول للأزمات العالمية، وهو الأمر الذي قد أثار حماسه.

وفي عام 2015، زار أتنبورو البيت الأبيض للتحدث مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما. وقد سأل الرئيس أوباما أتنبورو عن سبب ’’افتتانه العميق‘‘ بالعالم الطبيعي.

وقد أجاب أتنبورو: ’’لم أقابل قط طفلاً ليس لديه اهتمام بالتاريخ الطبيعي‘‘، ربما يتذكر أتنبورو الأيام التي كان يبحث فيها بنفسه عن الحفريات في الريف الإنجليزي. ’’لكن السؤال هو بالأحرى كيف يمكن أن نفقد هذا الاهتمام‘‘.