برنامج الأمم المتحدة للبيئة
21 Jun 2018 Story Nature Action

كيف يمكن للإسلام أن يمثل نموذجًا للإشراف البيئي

يستيقظ العالم أجمع، وليس الأمم المتحدة فقط، على القوة التي تتمتع بها المنظمات الدينية. فكيف يمكن للإسلام، والأديان الأخرى، أن تساهم في تقديم حلول للاستدامة والتخفف من حدة مخاطر تغير المناخ؟

ويقول الدكتور عودة الجيوسي، أستاذ ورئيس قسم الابتكار في جامعة الخليج العربي في البحرين، والباحث في مجال الابتكار المستدام، وعضو فريق الأمم المتحدة الاستشاري العلمي العالمي المعني بالطبعة السادسة لتوقعات البيئة العالمية التي تصدرها الأمم المتحدة للبيئة، إن نظرة العالم الإسلامي تمثل نموذجًا فريدًا للانتقال إلى التنمية المستدامة من خلال التركيز على العدالة وتراجع النمو وتحقيق الوئام بين الإنسان والطبيعة.

وعلق الدكتور عودة الجيوسي بأن الإسلام ينظر إلى التحديات البيئية كمؤشر لأزمة معنوية وأخلاقية. ويعد النظر إلى خلق الإنسان والأرض، والكون، كعلامات على الخالق (كتاب منثور) أمرا رئيسياً في القيم الإسلامية.

 وأوضح الدكتور الجيوسي أن النظرة العالمية الإسلامي تحدد حياة طيبة (حياة طيبة) وهي العيش بزًهد على الأرض (زهد) مع الإعتناء بالناس والطبيعة على حد سواء. ويقدم الخطاب الإسلامي شعوراً بالأمل والتفاؤل بشأن إمكانية تحقيق الانسجام بين الإنسان والطبيعة. وستتوازن الأمور على الأرض إذا أعاد البشر التفكير في أساليب حياتهم وعقولهم كما جاء في القرآن الكريم:

بسم الله الرحمن الرحيم

ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ. (سورة الروم، الآية رقم 41)

ويدعو البروفيسور الجيوسي إلى إحياء النظرة الشمولية للإسلام التي تقوم على مفهوم الوئام و"الحالة الطبيعية" (الفطرة) واحترام التوازن (الميزان) والنسبة (المقدار) في أنظمة الكون. وتوفر هذه المفاهيم بُعدًا أخلاقيًا وتفويضًا لكل البشر لاحترام الطبيعة وجميع أشكال الحياة.

ومن ثم، فإن التغلب على الأزمة البيئية والتخفيف من أثر تغير المناخ، من المنظور الإسلامي ، يرتكز على تحديد دور البشر كأوصياء ومشرفين (خليفة في الأرض). وقد اختل هذا التوازن بسبب الخيارات البشرية التي تؤدي إلى الإفراط في استهلاك واستغلال واستخدام الموارد.

image
صورة من رويتر

وتدعو القيم الإسلامية إلى الحفاظ على النزاهة وحماية التنوع في جميع أشكال الحياة. وعلق البروفيسور الجيوسي بأن الأزمة البيئية مرتبطة بأخلاق وقيم الإنسان. وتعد الأعمال الإنسانية مسؤولة عن الأزمة الإيكولوجية العالمية. وقال الدكتور الجيوسي "بالنظر إلى المشاكل البيئية الرئيسية، مثل تدمير الموائل الطبيعية، وفقدان التنوع البيولوجي، وتغير المناخ، وتآكل التربة، نرى أن كل ذلك ينجم عن الجشع البشري والجهل بقيمة هذه الأشياء. وأضاف "تتمثل المسؤولية الإنسانية في توفير وحماية سبل كسب العيش وخدمات النظام البيئي لضمان إيجاد حضارة مستدامة للاستفادة من مصير الحضارات السابقة والتأمل فيها".

وذكر آية من القرآن الكريم " تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ" وعلق أنه عندما يؤذي أحد الطيور أو النبات، فإنه يؤذي كائنات تسبح بحمد الله. وللاحتفال بسمفونية الحياة، يحتاج جميع البشر إلى الاحتفال بالتنوع البيولوجي والثقافي وحمايته.

وتدعو النظرة الإسلامية للعالم إلى الانتقال إلى مجتمع واقتصاد مستدام من خلال تبني تنمية مسؤولة واحترام مبادئ الاستدامة. ويتطلب هذا التغير إحداث نقلة في القواعد والممارسات. ويمكن أن يصبح الدين جزءاً قوياً من الحل إذا كان البشر يجسدون رؤية روحية كلية تجاه البشرية والأرض والكون.

وفي عام 2015 في اسطنبول، وضع العالم الإسلامي في إعلانه الإسلامي  بشأن تغير المناخ إطارًا لمدونة أخلاقية لقواعد السلوك لبناء مستقبل مرن منخفض الانبعاثات.

ويطمح الجيوسي لرؤية خطاب إسلامي جديد يؤكد ويربط بين الإيمان والعقل والتعاطف لضمان رؤية إيكولوجية (بصيرة). كما يدعو إلى إعادة التفكير في الأنظمة التعليمية التي أهملت جمال الطبيعة والكون.

ويحذر البروفيسور الجيوسي من أن "انقراض الأنواع من حولنا والتي هي ببساطة مجتمعات مثلنا (أمة أمثالكم) قد تمتد إلى البشر ما لم نغير رؤيتنا العالمية ونماذج التنمية". ويدعو إلى إحياء مفهوم صندوق الهبات الخضراء (الوقف) لدعم التحول إلى اقتصاد مستدام من خلال تشجيع الابتكار (الاجتهاد) المستوحى من الطبيعة والثقافة.

وقد اقترح البروفيسور الجيوسي نموذجًا مفاهيميًا مع ثلاثة نطاقات لمعالجة تغير المناخ والاستدامة:

  • النشاط الأخضر (الجهاد)
  • الابتكار الأخضر (الاجتهاد)
  • نمط الحياة الخضراء (الزهد).

ويشير إلى ذلك على أنه نموذج الحياة الخضراء، الذي يمثل استجابة إسلامية لتغير المناخ الذي يجسد مفهوم تراجع النمو.

كما يشير البروفسور الجيوسي إلى أن "الصراع وسوء الإدارة يعرضان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للخطر". ويدعو إلى إقامة منطقة مستدامة تقوم على العدالة الإنسانية والبيئية. وإن تفاؤل البروفيسور الجيوسي مستوحى من النبي محمد صلى الله عليه وسلم قائلا: " إِنْ قَامَتْ عَلَى أَحَدِكُمُ الْقِيَامَةُ، وَفِي يَدِهِ فَسِيلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا".

نبذة عن المؤلف:

البروفيسور عودة الجيوسي هو رئيس إدارة الابتكار والتكنولوجيا في جامعة الخليج العربي، بالبحرين. قام بنشر كتاب عن "الإسلام والتنمية المستدامة"، المملكة المتحدة، (2012) وكتاب عن الابتكار المتكامل، 2017، المملكة المتحدة. وهو عضو فريق الأمم المتحدة الاستشاري العلمي العالمي المعني بالطبعة السادسة لتوقعات البيئة العالمية التي تصدرها الأمم المتحدة للبيئة.

بريد إلكتروني: odjayousi@gmail.com